الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٦٩
مكان يخفى بيان الخطأ فيه جدا، وأما نحن فنقول بالأخذ الزائد شرعا إلا أننا نقول وبالله تعالى التوفيق: إن من مال إلى أحد هذه الوجوه في مكان ثم تركه في مثل ذلك المكان وأخذ بالوجه الاخر مقلدا أو مستحسنا فما دام لم يوقف على تناقضه وتفاسد حكمه فمعذور مأجور، حتى إذا وقف على ذلك فتمادى فهو فاسق عاص لله عز وجل لاتباعه الهوى قال الله تعالى: * (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) * وكل من قال في الدين بقول لم يأت عليه ببرهان لكن بما وقع في نفسه الميل فإنه بيقين متبع لهواه.
والوجه الثالث: أن يتعلق بحديث ضعيف لم يتبين له ضعفه، أو بحديث مرسل أو ادعى تجريحا في راوي حديث صحيح، إما بتدليس أو نحوه أو ادعى أن الناقل أخطأ فيه، فمن اعتقد صحة ما ذكر من ذلك معذور مأجور، حتى إذا ترك في مكان آخر مثل ذلك الحديث، أو رد مرسلا آخر لارساله فقط، وأخذ بحديث آخر فيه من التعليل كالذي فيما قد رده في مكان آخر، ووقف على ذلك - فإن تمادى فهو فاسق، وإن لم تقطع على أنه مخطئ عند الله عز وجل لكن لاقدامه على الحكم في الدين بما قد شهد لسانه ببطلانه في موضع آخر، فهو متبع هواه، فهو ضال بالنص، كمن حكم شهادة فاسقين يعلم فسقهما فيما لا يدري هو صحة شهادتهما به أو رد شهادة عدلين يعلم عدالتهما بغير حرج ثبت عنده بل ولا علم منه ببطلان ما شهدا به، فهذا فاسق بإجماع الأمة كلها، وإن كان في الممكن أن يكون قد صادف الحق عند الله تعالى ولكن لما أقدم على خلاف ما أمر به بغير يقين كان عاصيا لله تعالى ونعوذ بالله من الخذلان.
فإن قال قائل: فكيف تقولون فيمن بلغه نص قرآن أو سنة صحيحة بخبر ليس من باب الأمر أنه قد جاء ذلك الخبر في نص آخر باستثناء منه أو زيادة عليه ولم يبلغه النص الثاني؟.
فجوابنا وبالله تعالى التوفيق: إن هذا بخلاف الامر، لان الأوامر قد ترد ناسخا بعضها بعضا، فيلزمه ما بلغه حتى يبلغه ما نسخه، وليس الخبر كذلك، بل يلزمنا تصديق ما بلغنا في ذلك، لان الله تعالى لا يقول إلا الحق وكذلك
(١١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1160 1161 1162 1163 1164 1165 1166 1167 1168 1169 1170 » »»
الفهرست