الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٤٧
ويمتاز الحق من الباطل، ثم بنص القرآن وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم للدين، إذ لا سبيل إلى السلامة في الآخرة إلا بهذين السبيلين. والحمد لله رب العالمين، وهو المسؤول أصحاب الهداية حتى نلقاه على أفضل أحوالنا، آمين.
قال أبو محمد: وكل هذه المقالات الفاسدة التي ذكرنا قد بينا بطلانها بالبراهين الضرورية في كتابنا المرسوم بكتاب الفصل في الملل والنحل والحمد لله رب العالمين.
ونقول في ذلك ههنا قولا كافيا، يليق بغرض كتابنا هذا إن شاء الله تعالى فنقول وبالله تعالى التوفيق.
إن أول ضلال هذه المسألة قياسهم الله تعالى على أنفسهم في قولهم: إن الحكم بيننا لا يفعل شيئا إلا لعلة، فوجب أن يكون الحكيم عز وجل كذلك.
قال أبو محمد: وهم متفقون على أن القياس هو تشبيه الشئ بالشئ، فوجب أنهم مشبهون الله تعالى بأنفسهم، وقد أكذبهم الله تعالى في ذلك بقوله: * (ليس كمثله شئ) * ولو أن معارضا عارضهم فقال: لما كنا نحن لا نفعل إلا لعلة، وجب أن يكون تعالى بخلافنا، فوجب ألا يفعل شيئا لعلة لكان أصوب حكما وأشد اتباعا لقوله: * (ليس كمثله شئ) * وبالله تعالى التوفيق.
وأيضا: فإنهم بهذه القضية الفاضحة قد أدخلوا ربهم تحت الحدود والقوانين وتحت رتب متى خالفها لزمه السفه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وهذا كفر مجرد دون تأويل، ولزمهم - إن طردوا هذا الأصل الفاسد - أن يقولوا:
لما وجدنا الفعل منا لا يكون إلا جسما مركبا ذا ضمير وفكرة وجب أن يكون الفعال الأول جسما مركبا ذا ضمير وفكرة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
قال أبو محمد: فهذا يلزمهم كما ذكرنا.
ثم نبين بالبرهان الضروري بطلان قضيتهم من غير طريق إلزامهم طردها فنقول بالله تعالى التوفيق:
إن الحكيم منا إنما صار حكيما لأنه انقاد لأوامر ربه تعالى، ولتركه نواهيه، فهذا هو السبب الموجب على الحكيم منا ألا يفعل شيئا إلا لمنفعة ينتفع بها في معاده أو لمضرة يستدفعها في معاده. وأما الباري تعالى فلم يزل وحده ولا شئ معه ولا مرتب قبله فلم يكن على الله تعالى رتبة توجب أن يقع الفعل منه على صفة ما دون
(١١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1142 1143 1144 1145 1146 1147 1148 1149 1150 1151 1152 ... » »»
الفهرست