محالة كما أنه في تعلقه بالسبب يكون معنونا بالمسبب، فعلى كل تقدير يكون الامر بكل منهما أمرا بالآخر وفي مثله لا يكاد اتصاف السبب بالوجوب الغيري بوجه أصلا كما لا يخفى، فمدفوع بان مثل عنوان الالقاء والاحراق عنوانان ممتازان وجودا كل منهما عن الاخر حيث كان الالقاء الذي هو فعل المكلف سببا لملاصقة الخشب مع النار التي هي سبب لتحقق الحرقة في الخارج، فالحرقة حينئذ لها وجود مستقل في قبال الالقاء الذي هو من فعل المكلف، نظير حركة اليد وحركة المفتاح اللتين هما وجودان من الحركة إحداهما معلولة للأخرى، نعم غاية ما هناك انه ينتزع من وجود المعلول عنوانان: أحدهما عنوان الاحراق بالإضافة إلى الفاعل والاخر عنوان الحرقة بالإضافة إلى نفسه، نظير الايجاد والوجود، ولكن مجرد ذلك لا يقتضى صدق عنوان الاحراق وانطباقه حقيقة على الالقاء الذي هو فعل المكلف. وعليه فإذا كان العنوانان كل منهما ممتاز وجودا عن الاخر في الخارج فلا محالة يكون حالهما حال شرب الماء ورفع العطش في اتصاف الالقاء بالوجوب الغيري عند تعلق الامر بالاحراق وعدم كون الامر بالاحراق أمرا حقيقة بالالقاء كما هو واضح.
ثم إن هذا كله إذا كان المسبب والمعلول من آثار فعل المكلف خاصة على معنى كون فعله علة تامة لتحققه بحيث لا يكون لفعل الغير أيضا واختياره دخل في ترتب المسبب والمعلول وتحققه.
واما إذا كان لفعل الغير واختياره أيضا دخل في تحققه كعنوان حقيقة البيع مثلا الذي هو مترتب على مجموع إيجاب البائع وقبول المشتري فقد يقال حينئذ بأن التكليف بالمسبب - وهو البيع - حقيقة تكليف بسببه - وهو الايجاب - من جهة خروج المسبب حينئذ بعد مدخلية قبول المشتري عن حيز قدرة البائع حتى بالواسطة، ذلك لو ورد أمر بشخص ببيع داره لا جرم لا بد بعد خروجه عن حيز قدرته من صرفه إلى سببه وهو إيجابه الناشئ منه من جهة امتناع بقائه على ظاهره في التعلق بعنوان البيع، ولكنه أيضا مدفوع بأنه كذلك إذا كان قضية الامر بالبيع أمرا بإيجاده على الاطلاق واما إذا كان أمرا بحفظ وجوده من قبل ما هو تحت قدرته واختياره فلا يلزم إرجاعه وصرفه عنه إلى سببه، بل يجعل الامر في تعلقه بالمسبب على حاله حينئذ ويقال بأن الواجب هو حفظ وجوده من قبل ما هو تحت اختياره، كما هو الشأن أيضا في كلية المقيدات ببعض القيود غير الاختيارية،