الثاني من الأمور:
ان مثل هذا النزاع غير مبتن على القول بثبوت الحقيقة الشرعية كما توهمه بعض، بل يجري النزاع ولو على القول بعدم الثبوت حيث كان مرجع النزاع على هذا القول إلى أن العلاقة النوعية التي اعتبرها الشارع ابتدأ في استعمال تلك الألفاظ مجازا هل هي بين المعنى اللغوي وخصوص الصحيح منها بحيث يحتاج استعمالها في الأعم إلى رعاية علاقة أخرى بينه وبين الأعم، أو بين الأعم والصحيح من باب سبك المجاز عن مجاز، أو ان تلك العلاقة النوعية ابتدأ كانت بين المعنى اللغوي وبين الأعم من الصحيح من تلك الماهيات؟ كما أنه يجري النزاع أيضا على قول الباقلاني من استعمال الشارع تلك الألفاظ في خصوص معانيها اللغوية مع ضم قرينة عامة على اعتبار بعض القيود، إذ مرجع النزاع على هذا القول أيضا إلى أن تلك القرينة العامة هل بنحو تدل على اعتبار جميع الأجزاء والشرائط والموانع أو بنحو تدل على اعتبارها في الجملة؟ نعم لو كان اعتبار الاجزاء والشرائط على هذا القول بمعونة القرائن الشخصية الدالة كل واحدة منها على اعتبار جز أو شرط أو مانع لاشكل جريان النزاع على هذا القول، ولكن الفرض بعيد جدا فإنه مضافا إلى ضعف هذا المسلك في نفسه ولذا لم يذهب إليه إلا الباقلاني لا يظن التزامه بالقرائن الشخصية لكل واحد من الاجزاء والشرائط والموانع، وعليه فكان المجال لجريان هذا النزاع على كلا القولين في مسألة السابقة.
الثالث من الأمور:
لا يخفى ان الصحة في المقام وكذا في غير المقام انما هي بمعناها اللغوي والعرفي أي التمامية بالإضافة إلى الأثر المهم، وفي قبالها الفساد بمعنى النقصان الذي هو عبارة عن كون الشئ بحيث لم يترتب عليه الأثر المرغوب منه. وحينئذ فكانت الصحة في جميع الموارد بمعنى واحد وهو التمامية بلا اختلاف في معناها حقيقتها أصلا. واما ما يرى من الاختلاف بين الفقيه والمتكلم في تفسيرها - تارة بإسقاط الإعادة والقضاء كما عن الفقيه، وأخرى بموافقة الامر والشريعة كما عن المتكلم، وثالثة بغير ذلك - فإنما هو بلحاظ ما هو المهم عند كل طائفة من الآثار والاغراض، لا ان الاختلاف بينهم كان في أصل مفهوم الصحة وحقيقتها، فغرض الفقيه لما تعلق بأثر خاص منها وهو المسقطية للإعادة والقضاء فسرها بما يوافق غرضه، كما أن غرض المتكلم تعلق بأثر خاص آخر منها وهو تحقق الامتثال الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة عليه ففسرها بما وافق غرضه من موافقة الامر والشريعة، مع وفاقهم على وحدة معناها، فكان كل منهم