العلو، والصحيح هو الأخير، لشهادة العرف والوجدان بأن الطلب الصادر من العالي أمر سوأ كان مستعليا أو مستخفضا بجناحه، وعدم صحة إطلاق الامر على طلب السافل المستعلي إلا على سبيل العناية، وتقبيحه على ادعائه ان طلبه أمر.
(الجهة الثالثة) - في أنه موضوع لخصوص الوجوب أو لخصوص الاستحباب أو للجامع بينهما أو لغير ذلك؟ الظاهر أن الامر بمعنى الطلب موضوع لمطلق الطلب وخصوصية الوجوب وكذا الاستحباب خارجتان عما وضع له، نعم لا يبعد أن يكون له ظهور إطلاقي في الوجوب عند عدم القرينة على الاستحباب، وذلك من جهة أن كل ما يحتاج بيانه إلى مئونة زائدة على إلغاء أصل الطبيعة أو اللفظ ولم يؤت بتلك المئونة الزائدة، فالاطلاق يرفعه، سواء كانت نتيجته التوسعة في المراد أو التضييق فيه، وذلك كما أنهم يقولون ان إطلاق الامر يقتضي أن يكون الوجوب نفسيا عينيا تعيينيا، لان مقابل كل واحد من هذه الثلاثة يحتاج بيانه إلى مئونة زائدة، مثلا الغيري بيانه يحتاج مضافا إلى الامر بالشئ إلى ذكر أنه لأجل التوسل به إلى واجب آخر، والكفائي إلى ذكر أو غيرك من المكلفين، والتخييري إلى ذكر أو الشئ الفلاني، فإذا أمر وأطلق ولم يبين أحد هذه الأمور، حمل الوجوب - بحكم الاطلاق - على ما ذكرنا، مع أن نتيجة هذا الاطلاق هو التضييق لا التوسعة، وفيما نحن فيه إذا كان الاستحباب عبارة عن طلب الشئ مع الاذن في الترك، والوجوب عبارة عن نفس طلب الشئ بدون أن يحتاج إلى المنع عن الترك، كما توهمه بعض، لان نفس الطلب الصادر ممن تلزم وتجب طاعته يقتضي بحسب طبعه لزوم طاعته و إتيانه وإن لم يمنع من الترك، نعم إذا رخص في الترك نفهم حينئذ عدم اللزوم، وأن إتيانه راجح لا واجب، فبناء على هذا الاستحباب يحتاج بيانه إلى مئونة زائدة، فبالاطلاق يحكم بعدمه، وأن مفاد الامر هو الوجوب. و (بعبارة أخرى) الطلب في الوجوب والاستحباب بمعنى واحد وهو البعث وتحريك المأمور نحو إتيان الشئ، فإذا لم يجئ ترخيص بالترك من طرف الامر ينتزع منه الوجوب،