العقاب، كما لا وجه لتمسك الطرفين بالاجماع أيضا، لان إجماع الأخباريين من جهة ما ارتكز في أذهانهم من العلم الاجمالي، وإجماع المجتهدين من جهة اتكالهم على قاعدة قبح العقاب، فيلغو مثل هذا الاجماع عن صحة الاستدلال به، فعمدة أدلة البراءة هي الآيات والاخبار التي يستند بهما على إنه لا ضرر في مورد الشبهة.
(القول في الآيات التي استدل بها على البراءة) منها قوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آيتها) الظاهرة في أن المراد بالاتيان هو الاعلام والابلاغ، وحينئذ ففي ظرف الجهل، لو كان تكليف طريقي لابد من وصوله، ومع عدمه فلا تكليف ظاهرا في البين، ويرد عليه إن الاخباري يدعى وصول التكليف الطريقي بواسطة، أوامر الاحتياط.
ومنها قوله تعالى: (ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) الظاهرة في أنه ما كان عذاب قبل البعث كلية، بلا اختصاص له بأمة دون أمة، فالمنساق من الآية هو نفي الاستحقاق، لا الفعلية، والمنساق من الآية، إنما هو نفي الاستحقاق قبل بعث الرسول، وإتمام الحجة الظاهرية، وإناطة الاستحقاق بالبيان ولو ظاهريا، هذا ولكن يرد عليه إن هذا هو عين كبرى قبح العقاب بلا بيان، مع تخصص البيان بالرسول الظاهري، أو مطلق البيان، مع كون التخصص بالرسول الظاهري واردا مورد الغالب، وقد عرفت إن الاخباري لا ينكر ذلك، كما مر، نعم لو كان المراد من بعث الرسول خصوص الاعلام بالواقع، ومن نفي التعذيب نفي الاستحقاق من قبله، ولو بعدم إيجاب الاحتياط، يصح الاستدلال بها في مقابل الأخباريين، وأما مع احتمال كون المراد من بعث الرسول مطلق إقامة الحجة، ومن نفي التعذيب عدم جريان عادته تعالى على ذلك، ولو لكونه قبحا وظلما عقلا، فالأخباري لا ينكر ذلك أيضا، ثم إنه قد تجعل الآية الشريفة ردا على القائلين بالملازمة بين حكم العقل والشرع، ببيان إن الملازمة تقتضي تحقق العذاب عند استقلال العقل بقبح شئ، ولو مع عدم بعث الرسول، والآية تنفي العذاب مع عدم البعث، فلا ملازمة بين حكم العقل والعذاب، ويلزمه عدم الملازمة بين حكم العقل والشرع أيضا، ويرد عليه إن المنساق من الآية إنما