الماء الذي يشك في جريانه متصلا بجريان ما كان في الحوض موجودا فعلا في منبعه، فإذا قطع بنفاد ما في الحوض والمنبع المعلوم وشك في وجود جريان ما في منبع حوض آخر غيره، فيكون داخلا في القسم الثالث من الكلي، وأما في القسم الأول فيقطع بتحقق الماء تدريجا وإخفاظ وحدته على تقدير نشوئه عن عرق مغاير لما ينشأ منه أولا، فإذا شك في بقائه أو وصفه المعلوم لو كان الشك ناشئا من قيام منبع آخر مقام الأول، فيجوز استصحابه فهو كالهيئة الواحدة الحاصلة للخيمة القائمة بأعمدة متعددة على التبادل، فإذا قطع بذهاب عمود وشك في قيام عمود آخر مقامه، فلا ريب في صحة جريان الاستصحاب في ذاك المقام، بخلاف القسم الثاني فإن ما في المنبع الاخر فعلي ومغاير للماء الجاري، ولو كان منهما واحدا، وفى القسم الأول لم يكن في البين ماءان، بل علتان لوجود ماء واحد فعلي، وتبدل العلتين لا يكثر شخص هذا الماء، ومن هنا يظهر إن من فرق بين جواز استصحاب التكلم في صورة إحراز وحدة الداعي ومنع عن استصحابه مطلقا في صورة احتمال بقائه، لاحتمال حدوث داع آخر عقيب الداعي المحرز أولا بلا مهلة وتراخ، فقد ارتكب مالا يخلو عن تسامح وغفلة، وأما أولا فلان وحدة الداعي إلى التكلم لا توجب وحدة الكلام في نظر العرف إذا كان من أصناف مختلفة كالقرآن والدعاء والزيارة، فمع وحدة الداعي أيضا يتصور الشك في الحدوث كما في المقام، وأما ثانيا فلان الوحدة الشخصية محفوظة في الكلام المتصل إذا كان من سنخ واحد كالقرآن مثلا، وإن حصل كل من أبعاضه بداعي جديد غير الداعي الأول، وذلك لما تقدم من إن تعدد العلل وتبدلها لا تقتضي تعدد المعلول وتكثره، ولا تستلزمه، فما دام القائل متشاغلا بالقراءة فهي قرائة واحدة، وإن حصلت بدواع مترتبة متكثرة، وعلى هذا فيجوز استصحاب التكلم أو وجود الكلام في الصورة المفروضة كما لا يخفى، فإطلاق المنع في غير محله، بقي الكلام في المقيد في الكلام، فنقول قد يكون الزمان قيدا لنفس الوجوب والحكم، إما بأن يجعل شرطا له كما في قوله عليه السلام (إذا دخل الوقت وجبت الصلاة والطهور)، أو يجعل غاية كما في قوله تعالى: (أتموا الصيام إلى الليل) وقد يكون قيدا للوجوب، إما بأن يؤخذ ظرفا له كما في مثل أكرم العلماء يوم
(٣١٨)