الاستصحاب لكان التعبد لغوا، إذ لا فائدة في جعل ما يشك في انطباقه على موارده دائما، هذا خلاصة الايرادين، وفي الأول منهما مضافا إلى إن صاحب الكفاية لا يقول بجعل المنجزية كما نسب إليه، فإنه يصرح في المقام وفي غيره أيضا بجعل الحجية التي هي من الأمور الاعتبارية، ويعد المنجزية والمعذرية من لوازمها العقلية، إن المراد من الوصول الملزوم للتنجيز لو كان وصول الحكم الظاهري والامارة عليه، والدليل على اعتبارها، فهذا أمر مسلم لا يخفى على أحد ونبه عليه صاحب الكفاية في أوائل مبحث البراءة مما يقرب من هذا (من إن البيان والحجية التي لا تقبح معه العقوبة هو البيان الواصل لا مطلقه)، فليس مراده إن الامارة التي لم تصل بيد المكلف منجزة للحكم عليه وحجة يحسن معها العقوبة، وإن كان المراد إن العقل لا يحكم بالتنجز إلا عند وصول الحكم الواقعي، فلا بد أن لا يتنجز الا باليقين الوجداني لا بما نزل منزلته، أو جعل طريقا إليه، فإن غير العلم وإن نزلناه منزلته، لكنه قد يوصل وقد يتخلف، وإذ لا يعلم بأن هذه الامارة موصلة أم لا: فلا يعلم بالوصول فلا بد أن لا يرى العقل تنجزا للحكم على تقدير مماثله لمؤدي الامارة، إذ المفروض انحصار ملزومه في وصول الحكم الواقعي، وهذا كما ترى لا يتفوه به أحد، وإذ قد ثبت عدم دوران التنجز مدار الوصول الواقعي، فإنه ربما يحكم العقل بتنجز الحكم مع انتفاء العلم، كما في مورد قيام الحجة أو ما نزل منزلة العلم أو الاحتمال في بعض الأحيان، كما في مورد الشبهة قبل الفحص، وظهر اعتبار وصول الحجة أو الطريق على جميع المباني، فيعترف إنه لا مجال للايراد الأول، وأما الثاني فجوابه إن الكلام في استصحاب ما قامت الحجة على ثبوته، فأصل الثبوت محرز بها والملازمة مستفادة من الاستصحاب، فلا لغوية في جعله، هذا مضافا إلى إن لزوم اللغو ممنوع، فإنه لم يجعل لخصوص مورد عدم العلم بالثبوت، كما لا يخفى، والعجب من المستشكل إنه قال بأن المنجزية تابعة للوصول ودائرة مداره، وغفل عما قرره في أول التنبيه من إنه لو نزل الشئ منزلة العلم من حيث المنجزية وإن كان من الأصول الغير المحرزة، يقوم مقام العلم من هذه الجهة، فما أدري كيف يجمع بين عدم محرزية الأصل وبين منجزيته، مع إنها فرع الوصول الملازم مع الاحراز، بقي الكلام فيما إذا كان مفاد دليل اعتبار الامارة
(٢٥٩)