هو اختصاصها بالمجتهد، فعلى هذا لا مجال للقول بأن هذه التكاليف أعم من المجتهد والمقلد، حتى يكون المجتهد نائبا عن المقلد، فيستفيد الاحكام من الأدلة، ويفتي بها، وللمقلد العمل على طبق رأيه وافتائه، بل العقل يحكم باختصاص الخطابات بمن كان قادرا ومتمكنا فعلا من استفادة الاحكام عن أدلتها، وهو ليس إلا للمجتهد، ثم إن التقسيم كان بلحاظ نفس هذه الصفات فلتثليث الأقسام وجه، وأما إذا كان بلحاظ الآثار المترتبة عليها، فلا وجه للتثليث، فإن أثر الظن المعتبر أثر العلم، وأثر الغير المعتبر منه، أثر الشك، كما هو واضح، ويمكن أن يقال: بأن التثليث باعتبار إمكان الطريقية إلى الواقع، فالظن مطلقا له هذا الشأن بخلاف الشك، إذ لاشك لاحد في عدم إمكان الطريقية له بوجه، وعلى كل حال، فإن حصل له القطع فهو مجبول على اتباعه، وإن جعل له الظن وأحرز اعتباره، فله اتباعه، وإلا فيرجع إلى الوظايف المقررة للشاك، فهنا مقاصد المقصد الأول في القطع لا ريب في أن القطع منشأ للعمل على طبقه، وجرى القاطع على وفق قطعه، وهذا لادخل له بالتحسين والتقبيح العقليين، بل هو من الأمور الجبلية التكوينية، نعم فيما إذا كان المقطوع به هو الحكم الشرعي، فحينئذ يحكم العقل بحسن متابعة قطعه، زائدا على ما في فطرته، من جرى القاطع على وفق قطعه، فيدخل هذا الحكم من العقل في التحسين والتقبيح العقليين، من باب حسن الإطاعة، وقبح المعصية، كما لا يخفى فاصل الجري على وفق القطع من الجبليات الفطرية لكل أحد، بل لكل حيوان، ووجوب الجري على وفقه، فيما إذا كان المقطوع به من الاحكام المستقلة العقلية، ولا يصح الردع بالنسبة إلى كل واحد منهما، أما بالنسبة إلى الثاني، فلانه من الترخيص في المعصية، ولا يصح على المولى ذلك، وأما بالنسبة إلى الأول، فهو مساوق لمنع طريقية القطع إلى الواقع، وهو ضروري الفساد، هذا كله فيما طريقيته وارائته لمتعلقه ذاتية، وأما الظن فحيث لا يغني من الحق شيئا، ويحتاج اعتباره إلى جعل واعتبار، فلا حكم للعقل فيه، بل هو تابع لجعل الطريقية فيه، واعتبار من يثبت له الحجية وينفيه
(١٩)