ونزعاته الهاشمية، وغيرته العلوية، المغروسة في غريزته الطيبة، فلا غرو إذا وقف رابط الجأش، قوي الجنان، صلب الايمان، وخاطب السلطان سليم بأمثال تلك الكلمات الذهبية، صادعا بالحق، ومجاهرا برسالته المقدسة، قائلا: إن هذه الحروب وإراقة الدماء وإتلاف النفوس، وإزهاق الأرواح، والمضاربات والمشاغبات، بين المسلمين، وإلهاب نار القتال، والنضال بين الدولتين، إيران - العثمانية تورث النتائج السيئة، والأضغان السارية، والجراثيم المهلكة، والداء العضال، والتأثير الوبيل، والثمار المرة، والآثار المورثة للندامة، التي تعود كلها على جامعة المسلمين وبالا، وتوجب فشلها، وترفع الاخاء بينها، وتهيائها والممالك الاسلامية، طعمة للأجانب، ومحطا لأطماعهم. أمن العدل أيها السلطان صدور أمرك بقتل شيعة أهل البيت " ع "، قتلا عاما، وائذانك باستئصالهم، واتلاف نفوسهم، وإهدار دمائهم، أينما وجدوا، وفي أي مكان قطنوا؟ أليست الشيعة من المسلمين؟ أفلا يقرون بأجمعهم بالشهادتين؟ أو لا يصلون إلى الكعبة المعظمة؟ أو لا يؤدون الفرائض والسنن الدينية، بل هم ملتزمون بجميعها، وعاملون بها، ومتمسكون بأصولها وفروعها، ولكن ليس لهم ذنب لا يغتفر، إلا موالاتهم وتشيعهم لأخ الرسول " ص "، وزوج البتول (ع)، وباب مدينة العلم والحكمة، أمير المؤمنين علي وأولاده عليهم السلام. ولكن الأسف، إنه لم يؤثر هذا الخطاب العلوي، في نفس هذا السلطان، ولم يقنع به، بل أمر بإغلال يديه، ورجليه، وعنقه، وأرسله إلى السجن المدهش الموحش. سبحان الله أفهكذا يصنع بالمصلحين والصادعين بالحق، والمجاهرين بالصدق؟
والمشهور بين المؤرخين، إن السلطان سليم عززه أولا، وأكرمه، ثم رجع عن رويته، وأمر بسجنه في قلعة (ينكي حصار)، على ثغر إسلامبول، وسجن الملازمين لخدمته، في حصن (ديمتوقة)، ثم شدد عليه الامر، وحبسه في غيابة الجب، إلى أن فاضت نفسه المقدسة فيها. فاز بروح وريحان وجنة نعيم.
وبين المؤرخين أقوال أخرى، في كيفية حبسه ووفاته، نقلناها في محلها وتركنا ذكرها خيفة الإطالة. فحري أن يكتب مداد الفجر، وقلم الاعجاب، له العظمة النفسية