تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٣٧٧

____________________
ترك جميع أطراف الشبهة لحصول العلم بترك المحرم أو النجس الواقعيين، كما في الإنائين المشتبهين ونحوهما، فهي أيضا مما ينبغي القطع بخروجها عن محل النزاع للقطع بعدم وجوبها على تقدير أو القطع بوجوبها على تقدير آخر.
وتوضيح ذلك: أن الوجوب الذي يضاف إلى المقدمة ها هنا إما أن يراد به الوجوب الشرعي وهو كون الشيء بحيث يستحق تاركه العقاب كما في سائر الواجبات التعبدية، أو الوجوب العقلي الذي هو مجرد إلزام عقل وحكم منه بلا بدية العمل.
فإن كان الأول لا ينبغي التأمل ولا الخلاف في عدم الوجوب، نظرا إلى أن العلم الذي هو أصل وذو مقدمة ليس في الوجوب بهذه المثابة بحيث أوجب تركه استحقاق العقاب عن مقدمته، فإن العلم بإتيان المأمور به ليس بنفسه واجبا شرعيا يستلزم مخالفته استحقاق العقاب، بل هو مما يلزمنا العقل عليه لحصول الاطمئنان عن العقاب بترك المأمور به الذي هو من فروع الإطاعة التي ليست مطلوبة لذاتها، وإنما الأمر بها ولو من الشرع - كقوله: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول - إرشادي، وكذلك النواهي عن المعصية عقلا أو شرعا كقوله: " لا تعص " ونحوه نظير أوامر الطبيب ونواهيه.
خلافا لبعض من توهم كونها مؤكدات للأوامر الحقيقية المتعلقة بالعناوين المخصوصة فقوله: " أطع " مثلا مؤكد للأمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ونحو ذلك، وضعفه ظاهر بعد ملاحظة أن المؤكد والمؤكد لابد فيهما من اتحاد الموضوع ولو معنى، كما في " اضرب زيدا اضرب زيدا " أو " اضرب زيدا نفسه " وهو في أوامر الإطاعة والأوامر الحقيقية متعدد بدليل ما بين الموضوعين من الترتب، لتأخر موضوع الأول وهو الإطاعة عن موضوع الثاني وهو الصلاة وغيرها، ضرورة أن محقق موضوع الإطاعة إنما هو العقل فإنه بعد ما التفت إلى جانب الأوامر الحقيقية ينتزع عن متعلقاتها باعتبار إيجادها في الخارج مفهوما كليا يسميه بالإطاعة فيرتب عند نفسه مقدمة معقولة وهي أن الإتيان بالمأمور به إطاعة.
ثم يلزم المكلف بها إرشادا له إلى ما يدفع عنه المضرة والندامة والوقوع في التهلكة، فيتلوه أمر الشارع أيضا بقوله: ﴿أطيعوا الله﴾ (1).
ومن البين أن مخالفة الأمر بالإطاعة لا تترتب عليها ما تترتب على مخالفة الأمر بالصلاة وغيرها من العناوين الخاصة من استحقاق العقاب، وإلا لكان اللازم استحقاق

(٣٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 370 371 373 376 377 378 379 381 384 386 ... » »»