تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٣٠٨

____________________
وأما الثاني: فلأن التكليف لابد وأن يتعلق بالمقدور لئلا يلزم التكليف بما لا يطاق، والماهية إذا امتنع وجودها غير مقدورة فلا تصلح لأن يتعلق التكليف بها.
وأجيب: بأن الماهية قد تؤخذ بشرط أن يكون مع بعض العوارض كالإنسان بقيد الوحدة فلا يصدق على المتعدد، وبقيد هذا الشخص فلا يصدق على فرد آخر ويسمى الماهية المحلوظة والماهية بشرط شيء ولا ريب في وجودها في الأعيان، وقد تؤخذ بشرط التجرد عن جميع العوارض وتسمى الماهية بشرط لا، ولا خفاء في أنها لا توجد في الأعيان بل في الأذهان، وقد تؤخذ لا بشرط أن تكون مقارنة أو مجردة بل مع تجويز أن يقارنها العوارض وأن لا يقارنها ويسمى بالماهية من حيث هي والماهية لا بشرط، وهي بهذا المعنى مما يمكن وجودها في الأعيان، فيجوز أن يكون المطلوب هو الماهية من حيث هي لا بقيد الكلية ولا بقيد الجزئية، وإن كانت لا تنفك في الوجود عن أحدهما وهذه لا يستحيل وجودها، لأن الكلية المنافية للوجود العيني ليست قيدا فيها وشرطا لها، فلا يلزم أن يكون المطلوب هو الجزئي من حيث هو جزئي كما ذكروه.
فإن قيل: الكلية والجزئية متنافيان، فعدم اعتبار أحدهما يوجب اعتبار الآخر لئلا يلزم ارتفاع النقيضين.
قلنا: عدم اعتبار النقيضين غير ارتفاعهما واللازم هو الأول، والمحال هو الثاني.
أقول: الأولى في الجواب منع المقدمة الأولى - لأنها التي أوجبت الشبهة - بمنع لزوم التناقض لو اتصفت الماهية بالكلية والجزئية، فإن الحيثية إذا تعددت وكانت تقييدية أوجبت تعدد الموضوع، فالمتصف بالكلية إنما هي الماهية المجردة والمتصف بالجزئية هي الماهية المقيدة فلا يلزم التناقض، كما لا يلزم تعلق الحكم بغير المقدور، لإمكان الامتثال بإيجاد الفرد المحصل لها، كما لا يلزم اعتبار الوجود في متعلقه ليكون جزئيا.
وقد يجاب أيضا: بأنهم لو أرادوا بالجزئي فردا معينا فهو باطل قطعا، لعدم دلالة اللفظ عليه رأسا، وإن أرادوا جزئيا غير معين فوقعوا في المحذور الذي فروا عنه فإنه أيضا كلي، وأيضا يلزم المجاز في كل الأوامر بل النواهي وغيرهما أيضا وفيهما ما لا يخفى من الوهن (1) كوهن ما لو أورد عليهم: بأن الفعل قبل الأمر إما حاصل من المكلف وموجود في

(1) ذكرها بعض الأعاظم تبعا لبعض الأعلام، والوجه في وهن الأول: أن لزوم المحذور على إرادة احتماله الثاني إن كان من جهة عدم تعيين الفرد، فيدفعه: أنه يلزم إذ اعتبر عدم التعيين قيدا في الامتثال لعدم تحققه إلا في المعين الذي ينشأ تعيينه عن اختيار المكلف.
وأما إذا اعتبر قيدا في الطلب فلا.
وفي وهن الثاني: اندفاعه بإرادة الفرد من باب إطلاق الكلي على الفرد، بأن يراد من اللفظ نفس الطبيعة وأحيل فهم الخصوصية التي تعلق بها الطلب إلى الخارج، وهو الطلب الذي لا يتعلق إلا بالممكن.
وأما ما يقال في دفع ذلك - كما في كلام بعض الفضلاء - من أن هذا إنما يتم على القول بوجود الطبايع في الخارج، وأما على القول بعدمه كما يراه الخصم فلا، إذ لا تحقق للطبيعة حينئذ في ضمن الأفراد حتى يطلق عليه اللفظ باعتباره.
فيدفعه: أن مبنى كلام الخصم على أن التكليف لا يتعلق إلا بالمقدور ولا قدرة إلا مع الوجود ولا وجود إلا للفرد، ومن البين أن القدرة من شرايط التكليف فيلزمه اشتراط الوجود في المكلف به لا من شرايط مطلق الإطلاق والاستعمال، إذ لم يقل أحد بأن الاستعمال في معنى مشروط بوجود ذلك المعنى، فلذا لا يجري الخلاف في الكليات الواقعة في غير مقام الطلب، فلا ضير في أن يتعلق الاستعمال بغير الموجود وأريد معه تعلق الطلب بالموجود ولا يستلزم ذلك إرادة ذلك الموجود من اللفظ بالخصوص كما لا يخفى (منه عفي عنه).
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 294 297 303 306 308 310 314 320 330 331 ... » »»