الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٠٨
إلا بدليل وأما إذا علم بأنها موضوعة للاخراج من غير اعتبار ضميمة كما هو قضية كلامه حيث جعل ذلك نظير ما ذكره في المشترك فثبوت الاطلاق لا حاجة له إلى دليل وهو واضح قوله فما ذكرناه معنى دقيق لا مطلق ولا مقيد إلخ فيه أنه لا معنى لذلك ولا دقة فيه فإن الواسطة بينهما بحسب الواقع غير معقولة لامتناع أن يرتفع عين المحمول ونقيضه عن الموضوع الموجود نعم يجوز أن يعتبر الماهية و لا يعتبر فيها غيرها حتى إطلاقها فيتجرد في ذلك اللحاظ عن الاعتبارين لكنها في واقع ذلك اللحاظ مطلقة ويتم على تقديره مقالة الخصم من لحوق الوضع للمطلق احتج القائلون برجوعه إلى الجميع بوجوه منها أن العطف يصير المتعدد بمنزلة المفرد حيث يقوم الجميع بحرف الجمع منزلة الجميع بلفظ الجمع فيقوم الجمل المتعاطفة مقام الجملة الواحدة ولا ريب أن الاستثناء إذا كان من الجملة الواحدة عاد إلى الجميع فكذلك ما هو بمنزلته فلا فرق بين قولنا اضرب الذين قتلوا والذين سرقوا والذين زنوا إلا من تاب وبين قولنا اضرب الذين هم قتلة وسراق وزناة إلا من تاب فكما أن المفردات الواقعة موقع الخبر صارت بالعطف بمنزلة اسم واحد حتى عاد الاستثناء فيها إلى الكل اتفاقا كذلك الجمل المتعاطفة صارت بالعطف منزلة الجملة الواحدة فيعود الاستثناء فيها إلى الكل أيضا و الجواب أما أولا فبأن ذلك قياس في اللغة وقد حققنا بطلانه سابقا و أما ثانيا فببيان الفارق وهو أن لا ترتيب بين المتعدد في صورة الأداء بلفظ الجمع فيمتنع الترجيح بالنظر إلى اللفظ بخلاف صورة العطف ومنها أن الاستثناء بالمشيئة إذا تعقب جملا كما لو قال والله لا أكلت ولا شربت ولا ضربت إن شاء الله تعالى عاد إلى الجميع بالاتفاق فكذلك غيره وأجاب عنه العضدي بأن هذا شرط لا استثناء و هو خارج عن محل النزاع ولو أريد إلحاقه به بجامع كونه تخصيصا متصلا مثله كان قياسا في اللغة وقد أبطلناه سلمنا لكن الشرط متقدم [مقدم] ولو تقديرا بخلاف الاستثناء سلمنا لكنه يعود إلى الجميع بقرينة اليمين عليها حيث يقتضي إيصال الجمل فلا يقتضي العود إليه عند فقد القرينة كما هو المدعى ثم قال وقد يقال علي الثاني بأن الشرط إنما تقدم تقديرا على ما يرجع إليه فلو كان للأخيرة قدم عليها فقط فلا يصلح فارقا هذا كلامه مخلصا ولا يذهب عليك أن الوجوه المذكورة كلها مناقشة في مثال المستدل على تقدير أن يكون المثال منه فله أن يدفع ذلك عن الدليل بالتمثيل بلا أكلت ولا شربت إلا أن يشأ الله كما هو إحدى العبارتين في تأدية الاستثناء بالمشيئة على ما يظهر من الكتاب العزيز فقد جاء فيه إلا أن يشأ ربنا خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء الله إلا ما شاء ربك على بعض التفاسير وجاء فيه أيضا ستجدني إن شاء الله من الصالحين وإنا إن شاء الله لمهتدون إلى غير ذلك وصاحب المعالم بعد أن اقتفي أثره في المنع من كونه استثناء لعدم وجود أداته منع من كونه شرطا أيضا و احتج عليه بدخوله على الماضي كما تقول حججت وزرت إن شاء الله قال وإنما دخلت المشية في كل هذه المواضع لتقف الكلام عن النفوذ والمضي لا لغير ذلك ثم جعل الاجماع فارقا بين تعقب المشية حيث يعاد إلى الجميع وبين تعقب غيرها حيث يحتمل فيه ذلك و يحتمل عوده إلى الأخيرة فقط ولا يخفى أن ما ذكره من نكتة الوقوف إنما تترتب على تقدير قصد الاستثناء والتعليق الظاهر من الآية الامرة به أيضا ذلك فالمنع منه في غير محله وحينئذ فدخوله على الماضي ونحوه يستدعي تأويلا كالتبرك أو تقديرا كالقبول في مثال الحج والزيارة ونحوه في نحوه ثم ما ذكره من أن الاجماع هو الفارق بظاهره غير سديد لأنه إذا ثبت المقصود في ذلك ثبت في غيره بضميمة أصالة عدم النقل بل التحقيق أن يجاب بأن ذلك إرجاع إلى الجميع بالقرينة لظهور أن المقصود من ذكر المشية إما الامتثال أو خوف الفوات والحرمان بتركه كما يدل عليه ظاهر حكايته تعالى لبلوى أصحاب الجنة وهو مطرد في الجميع حتى إنه لو انتفي في البعض منعنا لحوقه به والاجماع المدعى على خلافه ممنوع ومنها أنه لو كرر الاستثناء مع كل جملة كما لو قيل في آية القذف لا تقبلوا لهم شهادة أبدا إلا الذين تابوا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا عد مستهجنا ركيكا وليس ذلك إلا لعود الأخير إلى الجميع فيكون الباقي تكرارا محضا والجواب أن عد مثل ذلك مستهجنا إنما هو لكونه تطويلا مع إمكان الاقتصار على الأخيرة بنصب القرينة على عوده إلى الجميع ومنها أنه صالح للعود إلى كل واحد وحيث لا قرينة يجب عوده إلى الجميع إذ الحكم بأولوية البعض تحكم والجواب المنع من عدم أولوية البعض فإن قرب الأخيرة يصلح مرجحا لصرفه إليه ومنها أنه لو قال له علي خمسة وخمسة إلا ستة كان للجميع اتفاقا فكذا في غيره من الصور دفعا للاشتراك والمجاز والجواب أنه خارج عن محل النزاع إذ الكلام إنما هو في الجمل دون المفردات وفي الرجوع إلى كل واحد لا إلى المجموع وفيه نظر يعرف مما مر بل الوجه في الجواب أن قرينة الرجوع إلى الجميع هنا قائمة وهي عدم استقامة المعنى على تقدير الرجوع إلى الأخيرة فقط فلا يقتضي الثبوت عند عدمها على أنه إن أريد تخصيص إرجاعه بالجميع وضعا كما هو قضية بيانهم فلزوم الاشتراك أو المجاز على تقديره ظاهر جلي لأنها تستعمل في الرجوع إلى خصوص الأخيرة أيضا اتفاقا ومنها أن لواحق الكلام كالشرط والاستثناء يجب إلحاقه به ما دام المتكلم متشاغلا بالكلام فيجب عود الاستثناء المتعقب للجمل المتصلة إلى الجميع لبقاء التشاغل بها والجواب أن بقاء التشاغل إنما يقتضي صحة اللحوق لا تحقق اللحوق ولا كلام فيه حجة من خصه بالأخيرة وجوه منها أن الاستثناء خلاف الأصل لدلالته على مخالفة الحكم الأول تركنا العمل به في الأخيرة دفعا لمحذور الهذرية فيبقى الأصل في باقي الجمل سالما عن المعارض وأما تعيين الأخيرة فلقربها ولأنه لا قائل بعوده إلى غيرها على تقدير عدم عوده إلى الجميع فلئن قيل إن أريد بمخالفة الاستثناء للأصل أنه يوجب التجوز في لفظ العام وهو خلاف الأصل فله وجه لكن لا يستقيم التعليل بمخالفته للحكم الأول إذ لا مخالفة فيه سواء قلنا بأن الاسناد بعد الاخراج
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»