وجدالهم ينتشر حتى هجروا أحكام الشريعة وغيروا كتاب الله بتفسيراتهم له بخلاف ما هو به كما قال سبحانه: يحرفون الكلم عن مواضعه، وفي أصل أمرهم قد حزبوا الأمة وحولوا الشريعة من حيث لا يشعرون وأولوا اخبار الرسول (ص) بتأويلات اخترعوها من تلقاء أنفسهم، ما أنزل الله بها من سلطان، وقلبوا المعاني وحملوها على ما يريدون مما يقوي رياستهم ويقبح أهل العلم عند العوام ذلك دأبهم يتوارثه ابن عن أب وخلف عن سلف وكابر عن كابر إلى أن يشاء الله اهلاكهم ويقضى بانقراضهم وفنائهم، ولم يزل هؤلاء الذين هم رؤساء العوام أعداء الحق في كل أمة وقرن، فكم من نبي قتلوه، ووصي جحدوه، وعالم شردوه، فهم بأفعالهم هذه كانوا السبب في نسخ الشرائع وتجديدها في سالف الدهور إلى أن يتم ما وعد الله تعالى بقوله: ان يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد (1) وما ذلك على الله بعزيز (2) والعاقبة للمتقين (3) ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض لله يرثها عبادي الصالحون (4) ان في هذا لبلاغا لقوم عابدين (5) فهذه العلة هي السبب في اختلاف الآراء والمذاهب، وإذا كان ذلك كذلك فيجب على طالب الحق والراغب في الجنة (6) ان يطلب ما يقربه إلى ربه ويخلصه من بحر الاختلاف والخروج عن سجون أهله (7) وان غفلت النفس عن مصالحها ومقاصدها، وترك طريق الجنة والحق وأهله والدين الذي لا اختلاف
(١٨٧)