مجهولة، ويؤمن بجميع ما جاء به الشرع ايمانا مجملا من غير بحث عن الحقيقة والكيفية، وان لم يعتقد ذلك وغلب على قلبه الاشكال والشك، فان أمكن إزالة الشك والاشكال بكلام قريب من الافهام أزيل، وان لم يكن قويا عند المتكلمين ولا مرضيا فذلك كاف ولا حاجة إلى تحقيق الدليل فان الدليل لا يتم الا بذكر الشبهة والجواب، ومهما ذكرت الشبهة لا يؤمن ان تتشبث بالخاطر والقلب فيضل فهمه عن ذكر جواب الشبهة فيظنها حقه لقصوره عن ادراك جوابها، إذ الشبهة قد تكون جلية والجواب عنها دقيقا لا يحمله عقله، ولهذا زجر السلف عن البحث والتفتيش عن الكلام فيه، وانما زجروا عنه ضعفاء العوام، واما أئمة - الدين فلهم الخوض في غمرة الاشكالات، ومنع العوام عن الكلام يجري منع الصبيان عن شاطئ الدجلة خوفا من الغرق، ورخصة الأقوياء فيه يضاهي رخصة الماهر في صنعة السباحة الا ان ههنا موضع غرور ومزلة قدم، وهو ان كل ضعيف في عقله يظن أنه يقدر على ادراك الحقائق كلها وانه من جملة الأقوياء فربما يخوضون ويغرقون في بحر الجهالات من حيث لا يشعرون، والصواب منع الخلق كلهم الا النادر الذي لا تسمح الاعصار الا بواحد منهم أو اثنين من تجاوز سلوك مسلك السلف في الايمان المرسل والتصديق المجمل بكل ما أنزل الله تعالى وأخبر به رسوله (ص)، فمن اشتغل في الخوض فيه فقد أوقع نفسه في شغل شاغل إذ قال رسول الله (ص) حيث رأى أصحابه يخوضون بعد أن غضب حتى احمرت وجنتاه: أبهذا أمرتم؟! تضربون كتاب الله بعضه ببعض، انظروا إلى ما أمركم الله به فافعلوا، وما نهاكم عنه فانتهوا، فهذا تنبيه على نهج الحق، واستيفاء ذلك شرحناه في كتاب قواعد العقائد فاطلبه منه. انتهى كلامه أعلى الله مقامه.
فصل قد ذكر أبو حامد الغزالي في مبدء نشوء علمي الكلام والاحكام وسبب تدوينهما واختلاف الآراء فيهما بالاستنباطات الجدلية كلاما ملخصه (1):
انه لما انتهت الخلافة إلى أقوام تولوا بغير استحقاق واستيهال بعلم الفتاوى