ويؤيد هذا القول ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، إذ قال: الله أكبر، الله أكبر، جاء نصر الله والفتح، جاء أهل اليمن، قيل: يا رسول الله، وما أهل اليمن؟ قال: قوم رقيقة قلوبهم، لينة طباعهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية) رواه ابن كثير عنه.
وقد كان فتح مكة عام ثمان من الهجرة، وجاءت الوفود في دين الله أفواجا عام تسع منها، وجاء وفد اليمن وأرسل صلى الله عليه وسلم عماله إلى اليمن بعد فتح مكة، وقدم عليه علي رضي الله عنه من اليمن في العام العاشر في موسم الحج، ففتحت اليمن بعد فتح مكة في حياته صلى الله عليه وسلم.
وعليه: تكون فتوحات قد وقعت بعد فتح مكة، يمكن أن يشملها هنا قوله تعالى: * (والفتح) *، وليس مقصورا على فتح مكة كما قالوا.
وقد يؤخذ بدلالة الإيماء: الوعد بفتوحات شاملة، لمناطق شاسعة من قوله تعالى: * (وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) *، لأن الإتيان من كل فج عميق، يدل على الإتيان إلى الحج من بعيد، والإتيان إلى الحج يدل على الإسلام، وبالتالي يدل على مجيء المسلمين من بعيد، وهو محل الاستدلال والله تعالى أعلم. * (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) *. تقدم الكلام على التسبيح ومتعلقه وتصريفه.
وهنا قرن التسبيح بحمد الله، وفيه ارتباط لطيف بأول السورة وموضوعها، إذ هي في الدلالة على كمال مهمة الرسالة بمجيء نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ولدينه. ومجئ الفتح العام على المسلمين لبلاد الله بالفعل أو بالوعد الصادق كما تقدم، وهي نعمة تستوجب الشكر ويستحق موليها الحمد.
فكان التسبيح مقترنا بالحمد في مقابل ذلك وقوله: * (بحمد ربك) *، ليشعر أنه سبحانه المولى للنعم، كما جاء في سورة الضحى في قوله تعالى: * (ما ودعك ربك وما قلى) *.