أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٩ - الصفحة ١٤٤
وإذا كان المعنى قد تعين بنص القرآن في الهلاك والخسران، فما معنى إسناد التب لليدين؟
الجواب: أن ذلك من باب إطلاق البعض وإرادة الكل كما تقدم في قوله تعالى: * (ناصية كاذبة) *، مع أن الكاذب هو صاحبها.
وقد قدمنا هناك أن مثل هذا الأسلوب لا بد فيه من زيادة اختصاص للجزء المنطوق في المعنى المراد.
فلما كان الكذب يسود الوجه ويذل الناصية، وعكسه الصدق يبيض الوجه ويعز الناصية، أسند هناك الكذب إلى الناصية لزيادة اختصاصها بالكذب عن اليد مثلا.
ولما كان الهلاك والخسران غالبا بما تكسبه الجوارح، واليد أشد اختصاصا في ذلك أسند إليها البت.
ومما يدل على أن المرد صاحب اليدين، ما جاء بعدها، قوله تعالى: * (وتب) *، أي أبو لهب نفسه.
وسواء كان قوله تعالى: * (تبت يدآ أبى لهب) *، على سبيل الإخبار أو الإنشاء، فإنه محتمل من حيث اللفظ.
ولكن قوله تعالى بعده: * (وتب) *، فهو إخبار، فيكون الأول للإنشاء كقوله: * (قتل الإنسان مآ أكفره) *.
ثم جاء الثاني تصديقا له، وجاءت قراءة ابن مسعود * (وتب) *. * (مآ أغنى عنه ماله وما كسب) *. سواء كانت ما استفهامية فهو استفهام إبكار، أو كانت نافية فإنه نص، على أن ماله لم يغن عنه شيئا.
وقوله: * (وما كسب) *.
فقيل: أي من المال الأول ما ورثه أو ما كسب من عمل جر عليه هذا الهلاك، وهو عداؤه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونظير هذه الآية المتقدمة * (وما يغنى عنه ماله إذا تردى) *.
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»