وروى ابن شبة بسند صحيح من طريق عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت: سمعت أبي يقول: لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إلي من أن آتي بيت المقدس مرتين. لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل، وغير ذلك من الآثار مرفوعة وموقوفة، مما يؤكد هذا المعنى من أن قباء اختص بأن: من تطهر في بيته وأتى إليه عامدا وصلى فيه ركعتين كان له كأجر عمرة.
تنبيه وهنا سؤال يفرض نفسه: لماذا كان مسجد قباء دون غيره، ولماذا اشترط التطهر في بيته لا من عند المسجد؟ ولقد تطلبت ذلك طويلا فلم أقف على قول فيه، ثم بدا لي من واقع تاريخه وارتباطه بواقع المسلمين والمسجد الحرام أن مسجد قباء له ارتباطات عديدة بالمسجد الحرام.
أولا: من حيث الزمن، فهو أسبق من مسجد المدينة.
ومن حيث الأولية النسبية، فالمسجد الحرام أول بيت وضع للناس.
ومسجد قباء أول مسجد بناه المسلمون.
والمسجد الحرام بناه الخليل.
ومسجد قباء بناه خاتم المرسلين.
والمسجد الحرام كان مكانه باختيار من الله، وشبيه به مكان مسجد قباء.
ومن حيث الموضوعية فالمسجد الحرام مأمنا وموئلا للعاكف والباد.
ومسجد قباء مأمنا ومسكنا وموئلا للمهاجرين الأولين، ولأهل قباء فكان للصلاة فيه شدة ارتباط بالمسجد الحرام تجعل المتطهر في بيته والقاصد إليه للصلاة فيه كأجر عمرة. ولو قيل: إن اشتراط التطهير في بيته لا عند المسجد شدة عناية به أولا، وتمحيص القصد إليه ثانيا، وتشبيها أو قريبا بالفعل من اشتراط الإحرام للعمرة من الحل، لا من عند البيت في العمرة الحقيقة، لما كان بعيدا. فالتطهر من بيته والذهاب إلى قباء للصلاة فيه كالإحرام من الحل والدخول في الحرم للطواف والسعي، كما فيه تعويض المهاجرين عما فاتهم من جوار البيت الحرام قبل الفتح. والله تعالى أعلم.