وكذلك المسافر إذا كان سائرا، أما إذا كان نازلا، فخالف فيه داود أيضا.
ومما استدل به الجمهور على سقوط الجمعة عن المسافر وقت نزوله ما وقع من فعله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، إذ كانت الوقفة يوم الجمعة، وكان صلى الله عليه وسلم نازلا ولم يصل الجمعة، بدليل أنه لم يجهر بالقراءة، ونازع في ذلك ابن حزم وقال: غاية ما فيه ترك الجهر في الجهرية، وهذا لا يبطلها. ولكن يمكن أن يقال له: لقد قال صلى الله عليه وسلم. (خذوا عني مناسككم).
والصلاة أثناء الحج مما يؤخذ عنه صلى الله عليه وسلم كالجمع تقديما في عرفة وتأخيرا في مزدلفة، ولا يتأتى أن يترك الجهر في الجهرية وهو أقل ما فيه أنه خلاف الأولى ويأمرهم أن يأخذوه عنه.
ومن هذا كله صح ما ذهب إليه الجمهور من أنه لا جمعة على مملوك ولا مسافر. كما لا جمعة على المرأة والمريض، وبالله تعالى التوفيق.
قال ابن كثير: وإنما يؤمر بحضور الجمعة الرجال الأحرار دون العبيد والنساء والصبيان، ويعذر المسافر والمريض ويتم المريض وما أشبه ذلك من الأعذار.
أما سقوطها عن أهل البوادي ومن في حكمهم، فهو قول لجمهور مع اختلافهم في تحقيق المناط في ذلك بين المصر والقرية، والبادية، وبالرجوع إلى أقوال الأئمة نجد الخلاف الآتي أقوال الأئمة في مكان الجمعة.
أولا: عند أبي حنيفة رحمه الله قال في الهداية ما نصه: لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع أو في مصلى المصر، ولا تجوز في القرية لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع).
وفسر الشارح ابن الهمام المصر بقوله: والمصر الجامع كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود، وناقش الأثر الذي أورده المصنف قائلا: رواه ابن أبي شيبة موقوفا على علي رضي الله عنه (لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة) صححه ابن حزم.
ورواه عبد الرزاق من حديث عبد الرحمان السلمي عن علي رضي الله عنه، قال: لا تشريق ولا جمعة إلا في مصر جامع ا ه.