تنصيص مالك على خصوص الجمعة، وفي مختصر خليل عند المالكية، ما نصه: ولزمت المكلف الحر الذكر بلا عذر، قال شارحه الخرشي: لزمت ووجب إثم تاركها وعقوبته، فهذه أقوال المالكية وحقيقة مذهب مالك رحمه الله.
أما الشافعية فقال صاحب المهذب، ما نصه: صلاة الجمعة واجبة لما روى جابر وساق حديثه. وقال النووي في المجموع شرح المهذب: إنما تتعين على كل مكلف حر ذكر مقيم بلا مرض ونحوه. إلى أن قال: أما حكم المسألة فالجمعة فرض عين على كل مكلف غير أصحاب الأعذار، والنقص المذكور بين هذا هو المذهب، وهو المنصوص للشافعي في كتبه، وقطع به الأصحاب في جميع الطرق إلا ما حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب الشامل وغيرهما من بعض الأصحاب أنه غلط، فقال: هي فرض كفاية، قالوا: وسبب غلطه أن الشافعي قال: من وجبت عليه الجمعة وجبت عليه صلاة العيدين، وغلط من فهمه. لأن مراد الشافعي من خوطب بالجمعة وجوبا خوطب بالعيدين متأكدا، واتفق القاضي أبو الطيب وسائر من حكى هذا الوجه على غلط قائله، قال القاضي أبو إسحاق المروزي: لا يحل أن يحكى هذا عن الشافعي ولا يختلف أن مذهب الشافعي: أن الجمعة فرض عين، ونقل ابن المنذر في كتابيه كتاب الإجماع والإشراق: إجماع المسلمين على وجوب الجمعة. ا ه من المجموع للنووي، وهذا الذي حكاه النووي وابن المنذر والمروزي عن الشافعي هو المنصوص عنه في كتاب الأم للشافعي نفسه، قال مجلد (1) ص 881 تحت عنوان: إيجاب الجمعة بعد ما ذكر الآية * (إذا نودى للصلواة من يوم الجمعة) * قال: ودلت السنة من فرض الجمعة على ما دل عليه كتاب الله تبارك وتعالى وساق حديث: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم يعني الجمعة فاختلفوا فيه، فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع) إلى أن قال: والتنزيل ثم السنة يدلان على إيجاب الجمعة، وقال: ومن كان مقيما ببلد تجب فيه الجمعة من بالغ حر لا عذر له وجبت عليه الجمعة. فهذه نصوص الشافعي عامة في الوجوب وخاصة في الأعيان، وهذا بيان كاف لمذهب الشافعي رحمه الله من نص كتابه الأم ا ه.
الحديث الذي استدل به الشافعي رحمه الله (نحن الآخرون السابقون) هو عين الحديث الذي بوب عليه البخاري وجوب الجمعة، ووجه الاستدلال منه قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم) ففيه التنصيص على الفرضية.