أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ١٥٤
ولا شك أن مثل تلك الكتابة لا تصدر إلا ممن لا يعي معنى الأذان.
هذا ما استوجب عرض الحكمة من الأذان، وإن كانت مجانبة لمنهج الكتاب، ولكن بمناسبة مباحث الأذان يغتفر ذلك، وبالله التوفيق. محاكاة المؤذن تعتبر محاكاة المؤذن ربطا لسامع الأذان، وتنبيها له لموضوعه، جاء الحديث: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) رواه البخاري.
وفي رواية عنده عن معاوية رضي الله عنه أنه قال أي معاوية: وهو على المنبر مثل قول المؤذن إلى قوله: أشهد أن محمدا رسول الله، ولما قال المؤذن (حي على الصلاة) قال معاوية: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وكذلك (حي على الفلاح)، ثم قال: (هكذا سمعنا نبيكم صلى الله عليه وسلم).
وعند النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقام بلال ينادي، فلما سكت قال صلى الله عليه وسلم: (من قال مثل هذا يقينا دخل الجنة).
كيفية المحاكاة، في الحديث الأول فقولوا مثلما يقول، وهكذا يشعر بتتبعه جملة جملة، وفي الحديث الثاني: فلما سكت قال صلى الله عليه وسلم: (من قال مثل هذا) وبعد السكوت تنطبق المثلية بمجيء الأذان بعد فراغ المؤذن، فوقع الاحتمال.
وقد جاء عند مسلم وأبي داود ما يؤيد الأول، فعن عمر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال أشهد ألا إلاه إلا الله، قال: أشهد ألا إلاه إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله، قال أشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر. قال: الله أكبر الله أكبر. ثم قال: لا إلاه إلا الله من قلبه دخل الجنة).
فهذا نص صريح في أن محاكي المؤذن يتابعه جملة جملة إلى آخره ما عدا الحيعلتين. فإنه يأتي بدلا منهما بالحوقلة. وقالوا: إن الحيعلتين نداء للإقبال على المنادي. وهذا يصدق في حق المؤذن. أما الذي يحكي الأذان فلم يرفع صوته ولا يصدق عليه أن ينادي غيره فلا أجر له في نطقه بهما. فيأتي بلا حول ولا قوة إلا بالله لأمرين: الأول أنه ذكر يثاب عليه سرا وعلانية. والثاني: استشعار بأنه لا حول له عن معصية ولا قوة له على طاعة إلا بالله العلي العظيم، وفيه استعانة بالله وحوله وقوته على إجابة هذا النداء. وأداء الصلاة مع الجماعة.
وقد أخذ الجمهور بحديث عمر عند مسلم بمحاكاة المؤذن في جميع الأذان على النحو المقدم. وعند مالك يكتفي إلى الحوقلة لحديث معاوية. ونص كتب المالكية أنه هو المشهور في المذهب. وغير المشهور أي مقابل المشهور طلب حكاية الأذان جميعه، ذكره الزمخشري على خليل. بعض الزيادات على ألفاظ الأذان تقدم ذكر الحوقلة عند الحيعلة في بعض روايات مسلم وغيره، عند الشهادتين يقول زيادة: (وأنا أشهد ألا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا، وبمحمد رسولا. وبالإسلام دينا، غفرت له ذنوبه).
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الله له الوسيلة.
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه وسلم بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة) وهذا عام للأذان في الصلوات الخمس إلا أنه جاء في المغرب والفجر بعض الزيادات، ففي المغرب حكى النووي: أنه له أن يقول بعد النداء: (اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعائك اغفر لي)، ويدعو بين الأذان، والإقامة. ذكره صاحب المهذب وعزاه لحديث أم سلمة، وأقره النووي في المجموع.
أما في سماع أذان الفجر فيقول عند الصلاة خير من النوم: صدقت وبررت. حكاه النووي في المجموع.
وعن الرافعي يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصلاة خير من النوم.
وإذا سمع المؤذن وهو في الصلاة، نص العلماء على أنه لا يحكيه، لأنه في الصلاة لشغلا، وإذا سمعه وهو في المسجد جالس نص أحمد أنه لا يقوم حالا للصلاة حتى يفرغ المؤذن أو يقرب.
وإذا دخل المسجد وهو يؤذن استحب له انتظاره ليفرغ ويقول مثل ما يقول جمعا بين الفضيلتين، وإن لم يقل كقوله وافتتح الصلاة، فلا بأس ذكره صاحب المغني عن أحمد رحمه الله. إجابة أكثر من مؤذن وللعلماء مبحث فيما لو سمع أكثر من مؤذن، قال النووي: لم أر فيه شيئا لأصحابنا، وفيه خلاف للسلف، وقال حكاه القاضي عياض في شرح مسلم، والمسألة محتملة ، ثم قال: والمختار أن يقال: المتابعة سنة متأكدة بكرة تركها لتصريح الأحاديث الصحيحة بالأمر، وهذا يختص بالأول لأن الأمر لا يقتضي التكرار.
وذكره صاحب الفتح وقال: وقال ابن عبد السلام: يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب ا ه.
وعند الأحناف الحق للأول.
وأصل هذه المسألة في مبحث الأصول، هل الأمر المطلق يقتضي تكرار المأمور به أم لا؟
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 154 154 154 155 156 157 158 ... » »»