أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ١٥٣
ومنها: لو ضرب حاملا فأجهضت جنينين لوجبت عليه غرتان.
ومن الأسباب التي لا تقتضي التكرار ما لو أحدث عدة أحداث من نواقض الوضوء فأراد أن يتوضأ فإنه لا يكرر الوضوء بعدد الأحداث، ويكفي وضوء واحد، وكذلك موجبات الغسيل لو تعدت قبل أن يغتسل فإنه يكفيه غسل واحد عن الجميع.
ومما اختلف فيه ما كان دائرا بين هذا وذاك، كما لو ظاهر من عدة زوجات هل عليه كفارة واحدة نظرا لما أوقع من ظهار أم عليه عدة كفارات نظرا لعدد ظاهر منهن؟ وكذلك إذا ولغ عدة كلاب في إناء هل يعفر الإناء مرة واحدة، أم يتعدد التعفير لتعدد الولوغ من عدة كلاب؟
ومن ذلك ما قالوه في إجابة المؤذن إذا تعدد المؤذنون تعددت الأسباب، فهل تتعدد الإجابة أم يكتفي بإجابة واحدة. تقدم قول النووي أنه لم يجد شيئا لأصحابه، وكلام العز بن عبد السلام بتعدد الإجابة وبالنظر الأصولي، نجد تعدد المؤذنين ليس كتعدد نواقض الوضوء لأن المتوضىء إذا أحدث ارتفع وضوءه وليس عليه أن يتوضأ لهذا الحدث، فإذا أحدث مرة أخرى لم يقع هذا الحدث الثاني على طهر ولم يجد حدثا آخر.
وهكذا مهما تعددت الأحداث، فإذا أراد الصلاة كان عليه أن يرفع حدثه فيكفي فيه وضوء واحد، ولكن مستمع المؤذن حينما سمع المؤذن الأول فهو مطالب بمحاكاته، فإن فرغ منه وسمع مؤذنا آخر، فإن من حق هذا المؤذن الآخر أن يحاكيه، ولا علاقة لأذان هذا بذاك، فهو من باب تجدد السبب وتعدده أو هو إليه أقرب، كما لو سمع أذان الظهر فأجابه ثم سمع أذان العصر فلا يكفي عنه إجابة أذان الظهر، فإن قيل: قد اختلف الوقت وجاء أذان جديد، فيقال قد اختلف المؤذن فجاء أذان جديد.
وأقرب ما يكون لهذه المسألة مسألة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في حديث قوله صلى الله عليه وسلم (آمين آمين) ثلاث مرات وهو يصعد المنبر، ولما سئل عن ذلك قال: (أتاني جبريل فقال يا محمد من ذكرت عنده ولم يصل عليك باعده الله في النار فقل: آمين فقلت آمين)، وذكر بقية المسائل فإن بهذا يتعين تكرار الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند كل ما يسمع ذكره صلوات الله وسلامه عليه، وهنا عليه تكرار محاكاة المؤذن، كما رجحه ابن عبد السلام والله تعالى أعلم.
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 154 154 154 155 ... » »»