أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ١٦٤
وسعيرا إن الا برار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) *.
ففي هذا بيان لخلق العالم كله جملة ثم خلق آدم، ثم تناسل نسله ثم منتهاهم ومصيرهم ليتذكر بخلق أبيه آدم، وما كان من أمره كيلا ينسى ولا يسهو عن نفسه.
وهكذا ذكر مثل هذا التوجيه في الجملة ابن حجر في الفتح، وناقش حكم قراءتهما والمداومة عليهما أو تركهما، وذلك في باب ما يقرأ في صلاة الجمعة.
وفي المنتقى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح: آلم تنزيل، وهل أتى على الإنسان، وفي صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقون. رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
وناقش الشوكاني السجود فيها أي في فجر الجمعة أو في غيرها من الفريضة، إذا قرأ ما فيه سجدة تلاوة.
وحكي السجود في فجر الجمعة عن عمر وعثمان وابن مسعود وابن عمر وابن الزبير وقال: هو مذهب الشافعي، وقال: كرهه مالك وأبو حنيفة وبعض الحنابلة، فراجعه. الساعة التي في يوم الجمعة فقد تقدم كلام أبي هريرة رضي الله عنه مع عبد الله بن سلام وهو قول الأكثر، ويوجد عند مسلم: أنها ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يفرغ من الصلاة، وقد ناقش هذه المسألة جميع العلماء، وحكى أقوالهم الزرقاني في شرح الموطأ، وكلاهما بسند صحيح: إلا أن سند مالك لم يطعن فيه أحمد وسند مسلم قد نقل الزرقاني الكلام فيه، ومن تكلم عليه، والذي يلفت النظر ما يتعلق بقيام الساعة في يوم الجمعة من قوله صلى الله عليه وسلم: (وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس) ففيه التصريح بأن الدواب عندها هذا الإدراك الذي تفرق به بين أيام الأسبوع، وعندها هذا الإيمان بيوم القيامة والإشفاق منه، وأخذ منه العلماء أن الساعة تكون في يوم الجمعة وفي أوله، فإذا كان هذا أمر غيب عنا، فقد أخبرنا به صلى الله عليه وسلم فعلينا أن نعطي هذا اليوم حقه من الذكر والدعاء، مما يليق من العبادات إشفاقا أو تزودا لهذا اليوم، لا أن نجعله موضع النزهة واللعب والتفريط، وقد يكون إخفاؤها مدعاة للاجتهاد كل اليوم كليلة القدر، وقد نفهم من هذا كله المعنى الصحيح لحديث: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»