أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ١٥٤
تنبيه وإذا سمع المؤذن وهو في صلاة فلا يقول مثل ما يقول المؤذن، وإذا كان في قراءة أو دعاء أو ذكر خارج الصلاة، فإنه يقطعه ويقول مثل قول المؤذن.
قاله ابن تيمية في الفتاوى وابن قدامة في المغني، والنووي في المجموع.
تنبيه ولا يجوز النداء للصلاة جمعة أو غيرها من الصلوات الخمس إلا بهذه الألفاظ المتقدم ذكرها، وما عداها مما أدخله الناس لا أصل له، كالتسبيح قبل الفجر، والتسبيح والتحميد والتكبير يوم الجمعة بما يسمى (بالتطليع) ونحوه فكل هذا لا نص عليه ولا أصل له.
وقد نص في فتح الباري ردا على ابن المنير، حيث جعل بعض الهيئات أو الأقوال من مكملات الإعلام، فقال ابن حجر: وأغرب ابن المنير ولو كان ما قاله على إطلاقه لكان ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة، ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من جملة الأذان، وليس كذلك لا لغة ولا شرعا.
وفي الحاشية للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز تعليق على كلام ابن المنير بقوله هذا فيه نظر. والصواب أن ما أحدثه الناس من رفع الصوت بالتسبيح قبل الأذان والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده، كما أشار إليه الشارع بدعة يجب على ولاة الأمر إنكارها حتى لا يدخل في الأذان ما ليس منه، وفيما شرعه الله غنية وكفاية عن المحدثات، فتنبه.
وقال في الفتح أيضا ما نصه: وما أحدث الناس قبل وقت الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهو في بعض البلاد دون بعض، واتباع السلف الصالح أولى، وقال ابن الحاج في المدخل جلد 2 ص 452، وينهي المؤذنين عما أحدثوه من التسبيح بالليل، وإن كان ذكر الله تعالى حسنا وعلنا لكن في المواضع التي تركها الشارع صلوات الله وسلامه عليه، ولم يعين فيها شيئا معلوما.
قال أصحابنا: فإذا احتاج إلى أكثر من مؤذنين اتخذ ثلاثة، وأربعة فأكثر بحسب الحاجة.
وقد اتخذ عثمان رضي الله عنه أربعة للحاجة عند كثرة الناس.
قال أصحابنا: وإذا ترتب للأذان اثنان فصاعدا، فالمستحب ألا يؤذنوا دفعة واحدة، بل إن اتسع الوقت ترتبوا فيه، فإن تنازعوا في الابتداء أقرع بينهم، وإن ضاق الوقت، فإن كان المسجد كبيرا أذنوا متفرقين في أقطاره، وإن كان ضيقا وقفوا معا وأذنوا، وهذا إذا لم يؤد اختلاف الأصوات إلى تشويش، فإن أدى إلى ذلك لم يؤذن إلا واحد ا ه. فهذا نص النووي على قول أصحابه أي الشافعية في المسألة ساقه في شرح مسلم، وقال في المجموع شرح المهذب على نص المتن إذ قال: المآمن: والمستحب أن يكون المؤذن للجماعة اثنين. وذكر حديث بلال وابن أم مكتوم، فإن احتاج إلى الزيادة جعلهم أربعة، لأنه كان لعثمان أربعة، والمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد، لأن ذلك أبلغ في الإعلام.
قال النووي في الشرح: قال أبو علي الطبري: تجوز الزيادة إلى أربعة، ثم ناقش المسألة مع من خالفه في العدد: ثم قال: العبرة بالمصلحة، فكما زاد عثمان إلى أربعة للمصلحة جاز لغيره الزيادة.
وذكر عن صاحب الحاوي إلى ثمانية، ثم قال: فرع. وساق فيه ما نصه:
فإن كان للمسجد مؤذنان أذن واحد بعد واحد، كما كان بلال وابن أم مكتوم، فإن تنازعوا في الابتداء أقرع بينهم، فإن ضاق الوقت والمسجد كبير أذنوا في أقطاره كل واحد في قطر ليسمع أهل تلك الناحية، وإن كان صغيرا أذنوا معا وإذا لم يؤد إلى تهويش.
قال صاحب الحاوي وغيره: ويقفون جميعا عليه كلمة كلمة فإن أدى إلى تهويش أذن واحد. إلخ.
وفي صحيح البخاري، باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد، وساق بسنده عن مالك بن الحويرث (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رحيما ورفيقا، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا. قال: ارجعوا فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا إذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم).
قال في الفتح أثناء الشرح: وعلى هذا فلا مفهوم لقوله: مؤذن واحد في السفر: لأن الحضر أيضا لا يؤذن فيه إلا واحد، ولو احتيج إلى تعددهم لتباعد أقطار البلد أذن كل واحد في جهة ولا يؤذنون جميعا.
وقد قيل: إن أول من أحدث التأذين جميعا بنو أمية.
وقال الشافعي في الأم: وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن، ولا يؤذنون جميعا، وإن كان مسجد كبير فلا بأس أن يؤذن في كل جهة منه، مؤذن، يسمع من يليه في وقت واحد ا ه.
وهذا الذي حكاه الشارح عن الشافعي موجود في الأم، ولكن بلفظ فلا بأس أن يؤذن في كل منارة له مؤذن فيسمع من يليه في وقت واحد ا ه.
وهذا القدر كاف لبيان قول الشافعي وأصحابه، من أن التعدد جائز بحسب المصلحة.
وعند مالك جاء في الموطأ حديث بلال وابن أم مكتوم أيضا.
وقال الباجي في شرحه: ويدل هذا الحديث على جواز اتخاذ مؤذنين في مسجد يؤذنان، لصلاة واحدة.
وروى علي بن زياد عن مالك: لا بأس أن يؤذن للقوم في السفر والحرس والمركب ثلاثة مؤذنين وأربعة، ولا بأس أن يتخذ في المسجد أربعة مؤذنين وخمسة.
قال ابن حبيب: ولا بأس فيما اتسع وقته من الصلوات، كالصبح والظهر والعشاء، أن يؤذن خمسة إلى عشرة واحد بعد واحد، وفي العصر من ثلاثة إلى خمسة، ولا يؤذن في المغرب إلا واحد.
فهذا نص مالك والمالكية في جواز تعدد الأذان في المسجد الواحد، يؤذنون واحدا بعد واحد.
وفي متن خليل ما نصه: وتعدده وترتيبهم إلا المغرب، وجمعهم كل على أذان.
وذكر الشارح الخرشي من خمسة إلى عشرة في الصبح والظهر والعشاء، وفي العصر من ثلاثة إلى خمسة، وفي المغرب واحد أو جماعة. إلخ.
وعند الحنابلة قال في المغني: (فصل) ولا يستحب الزيادة على مؤذنين لحديث بلال وابن أم مكتوم أيضا، ثم قال: إلا أن تدعو الحاجة إلى الزيادة عليهما فيجوز.
فقد روي عن عثمان رضي الله عنه، أنه كان له أربعة مؤذنين. وإن دعت الحاجة إلى أكثر منهم كان مشروعا، وإذا كان أكثر من واحد وكان الواحد يسمع الناس، فالمستعجب أن يؤذن واحد بعد واحد، لأن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم كان أحدهما يؤذن بعد الآخر، وإن كان الإعلام لا يحصل بواحد أذنوا على حسب ما يحتاج إليه، إما أن يؤذن كل واحد في منارة أو ناحية أو دفعة واحدة في موضع واحد.
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 154 154 154 155 156 ... » »»