أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ١١٧
وهذا القول منه رحمة الله تعالى علينا وعليه، يتضمن القولين الأول والثاني من الأقوال الثلاثة، تفضل الله على الأميين ببعثة هذا النبي الكريم فيها، وتفضل الله على النبي ببعثته فيهم مما لا يشعر بأنه لا خلاف بين هذه الأقوال الثلاثة، وأنها من الاختلاف التنوعي أو هي من المتلازمات فلا مانع من إدارة الجميع، لأن فضل الله تعالى قد شمل الجميع.
وقد نص الأول بقوله: * (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين) * وهذا عين ما في سورة الجمعة سواء، لأن الامتنان هو التفضل.
ونص على الثاني بقوله تعالى: * (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) *.
ونص على الثالث بقوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذالك فضل الله يؤتيه من يشآء والله واسع عليم) *.
فقوله: فسوف يأتي، ويساوي * (وءاخرين منهم لما يلحقوا بهم) *، فهو خلاف تنوع، وفضل الله شامل للجميع. قوله تعالى: * (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) *. قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في إملائه: هذا مثل ضربه الله لليهود، وهو أنه شبههم بحمار، وشبه التوراة التي كلفوا العمل بما فيها بأسفار أي كتب جامعة للعلوم النافعة، وشبه تكليفهم بالتوراة: بحمل ذلك الحمار لتلك الأسفار، فكما أن الحمار لا ينتفع بتلك العلوم النافعة التي في تلك الكتب المحمولة على ظهره، فكذلك اليهود لم ينتفعوا بما في التوراة من العلوم النافعة لأنهم كلفوا باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وإظهار صفاته للناس فخانوا وحرفوا وبدلوا فلم ينفعهم ما في كتابهم من العلوم ا ه.
فأشار الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، إلى أن وجه الشبه عدم الانتفاع بما تحملوه من التوراة وهم يعلمون ما فيها من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أوضح الله تعالى
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»