الأصول على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجتهد، والذين قالوا إنه قد يقع منه الاجتهاد، استدلوا بقوله تعالى: * (عفا الله عنك لم أذنت لهم) *. وقوله تعالى: * (ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الا رض) *. وقوله تعالى: * (ما كان للنبى والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين) *.
قالوا: فلو لم يكن هذا عن اجتهاد، لما قال * (عفا الله عنك لم أذنت لهم) *. ولما قال: * (ما كان لنبى أن يكون له أسرى) *، ولا منافاة بين الآيات، لأن قوله: * (إن هو إلا وحى يوحى) * معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يبلغ عن الله إلا شيئا أوحى الله إليه أن يبلغه، فمن يقول: إنه شعر أو سحر أو كهانة، أو أساطير الأولين هو أكذب خلق الله وأكفرهم، ولا ينافي ذلك أنه أذن للمتخلفين عن غزوة تبوك، وأسر الأسارى يوم بدر، واستغفر لعمه أبي طالب من غير أن ينزل عليه وحي خاص في ذلك، وقد أوضحنا هذا في غير هذا الموضع. قوله تعالى: * (علمه شديد القوى) *. المراد بشديد القوى في هذه الآية: هو جبريل عليه السلام، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم علمه هذا الوحي. ملك شديد القوى هو جبريل.
وهذه الآية الكريمة قد تضمنت أمرين:
أحدهما: أن هذا الوحي الذي من أعظمه هذا القرآن العظيم، علمه جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من الله.
والثاني: أن جبريل شديد القوة.
وهذان الأمران جاءا موضحين في غير هذا الموضع.
أما الأول منهما وهو كون جبريل نزل عليه بهذا الوحي وعلمه إياه، فقد جاء موضحا في آيات من كتاب الله كقوله تعالى: * (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله) *. وقوله تعالى: * (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الا مين على قلبك لتكون من المنذرين) *. وقوله تعالى: * (ولا تعجل بالقرءان من قبل إن يقضى إليك وحيه) *. وقوله تعالى: * (لا تحرك به لسانك لتعجل