قوله تعالى: * (كل امرىء بما كسب رهين) *. ظاهر هذه الآية الكريمة العموم في جميع الناس، وقد بين تعالى في آيات أخر أن أصحاب اليمين خارجون من هذا العموم، وذلك في قوله تعالى: * (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين فى جنات يتسآءلون عن المجرمين) *.
ومن المعلوم أن التخصيص بيان، كما تقرر في الأصول. قوله تعالى: * (وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون) *. لم يذكر هنا شيء من صفات هذه الفاكهة ولا هذا اللحم إلا أنه مما يشتهون. وقد بين صفات هذه الفاكهة في مواضع أخر كقوله تعالى: * (وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة) * وبين أنها أنواع في مواضع أخر كقوله: * (ولهم فيها من كل الثمرات) * وقوله تعالى * (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هاذا الذى رزقنا من قبل وأتوا به متشابها) *. وقوله تعالى * (أولائك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون) * إلى غير ذلك من الآيات.
ووصف اللحم المذكور بأنه من الطير، والفاكهة بأنها مما يتخيرونه على غيره، وذلك في قوله * (وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون) *. قوله تعالى: * (يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم) *. قرأه ابن كثير وأبو عمرو: * (لا لغو) * بالبناء على الفتح، * (ولا تأثيم) * كذلك لأنها، لا، التي لنفي الجنس فبنيت معها، وهي إن كانت كذلك نص في العموم، وقرأه الباقون من السبعة * (لا لغو فيها ولا تأثيم) * بالرفع والتنوين. لأن لا النافية للجنس إذا تكررت كما هنا جاز إعمالها وإهمالها، والقراءتان في الآية فيهما المثال للوجهين: وإعمالها كثير، ومن شواهد إهمالها قراءة الجمهور في هذه الآية، وقول الشاعر: لا لغو فيها ولا تأثيم) * بالرفع والتنوين. لأن لا النافية للجنس إذا تكررت كما هنا جاز إعمالها وإهمالها، والقراءتان في الآية فيهما المثال للوجهين: وإعمالها كثير، ومن شواهد إهمالها قراءة الجمهور في هذه الآية، وقول الشاعر:
* وما هجرتك حتى قلت معلنة * لا ناقة لي في هذا ولا جمل * وقوله: * (يتنازعون فيها كأسا) *: أي يتعاطون، ويتناول بعضهم من بعض كأسا أي خمرا، فالتنازع يطلق لغة على كل تعاط وتناول، فكل قوم يعطي بعضهم بعضا شيئا