: إنه ظن أن لن يحور) *، لأن معناه، ظن ألن يرجع إلى الله حيا يوم القيامة، ولا شك أن من ظن أنه لا يبعث بعد الموت لا يكون مشفقا في أهله خوفا من العذاب، لأنه لا يؤمن بالحساب والجزاء، وكون لن يحور، بمعنى لن يرجع معروف في كلام العرب، ومنه قول مهلهل بن ربيعة التغلبي:
* أليلتنا بذي حسم أنيري * إذا أنت انقضيت فلا تحوري * فقوله: فلا تحوري، أي فلا ترجعي.
وقول لبيد بن ربيعة العامري: وقول لبيد بن ربيعة العامري:
* وما المرء إلا كالشهاب وضوئه * يحور رمادا بعد ما هو ساطع * أي يرجع رمادا، وقيل: يصير، والمعنى واحد. وقوله تعالى: * (وأصحاب الشمال مآ أصحاب الشمال فى سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم وكانوا يقولون أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون) *، لأن تنعمهم في الدنيا المذكور في قوله * (مترفين) *، وإنكارهم للبعث المذكور في قوله * (أءذا متنا وكنا ترابا) * الآية. دليل على عدم إشفاقهم في الدنيا، وهو علة كونهم في سموم وحميم.
وقد قدمنا قريبا أن إن المكسورة المشددة من حروف التعليل، فقوله تعالى: * (إنهم كانوا قبل ذلك مترفين) *. علة لقوله * (فى سموم وحميم) *.
وقد ذكر جل وعلا أن الإشفاق من عذاب الله من أسباب دخول الجنة والنجاة من العذاب يوم القيامة، كما دل عليه منطوق آية الطور هذه، قال تعالى في المعارج * (والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون) * إلى قوله * (أولائك فى جنات مكرمون) *، وذكر ذلك من صفات أهل الجنة في قوله تعالى * (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون) * إلى قوله * (أولائك يسارعون فى الخيرات وهم لها سابقون) *، وقد قال تعالى: * (والسابقون السابقون * أولائك المقربون * فى جنات النعيم) *.
وقوله في آية الواقعة المذكورة: * (وكانوا يصرون على الحنث العظيم) *، أي يديمون ويعزمون على الذنب الكبير، كالشرك وإنكار البعث، وقيل المراد بالحنث: حنثهم في اليمين الفاجرة كما في قوله تعالى: * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) *