قد يظن غير المتأمل أن بينهما اختلافا، والواقع خلاف ذلك. لأن كلام الله لا يخالف بعضه بعضا، وإيضاح ذلك أن الله تبارك وتعالى ذكر في بعض الآيات أن حكمة خلقه للسماوات والأرض هي إعلام خلقه بأنه قادر على كل شيء، وأنه محيط بكل شيء علما، وذلك في قوله تعالى في آخر الطلاق: * (الله الذى خلق سبع سماوات ومن الا رض مثلهن يتنزل الا مر بينهن لتعلموا أن الله على كل شىء قدير وأن الله قد أحاط بكل شىء علما) *.
وذكر في مواضع كثيرة من كتابه أنه خلق الخلق ليبين للناس كونه هو المعبود وحده، كقوله تعالى: * (وإلاهكم إلاه واحد لا إلاه إلا هو الرحمان الرحيم) *، ثم أقام البرهان على أنه إله واحد بقوله بعده: * (إن في خلق السماوات والا رض واختلاف الليل والنهار) * إلى قوله * (لآيات لقوم يعقلون) *، ولما قال: * (ياأيها الناس اعبدوا ربكم) * بين أن خلقهم برهان على أنه المعبود وحده بقوله بعده: * (الذى خلقكم والذين من قبلكم) *.
والاستدلال على أن المعبود واحد بكونه هو الخالق كثير جدا في القرآن، وقد أوضحنا الآيات الدالة عليه في أول سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى: * (وخلق كل شىء فقدره تقديرا واتخذوا من دونه ءالهة لا يخلقون شيئا) *، وفي سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى * (أم جعلوا لله شركآء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شىء) *، وفي غير ذلك من المواضع.
وذكر في بعض الآيات أنه خلق السماوات والأرض ليبتلي الناس، وذلك في قوله: * (وهو الذى خلق السماوات والا رض فى ستة أيام وكان عرشه على المآء ليبلوكم أيكم أحسن عملا) *.
وذكر في بعض الآيات أنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم وذلك في قوله: * (إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزى الذين ءامنوا وعملوا الصالحات بالقسط) *، وذكر في آية الذاريات هذه أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه، فقد يظن غير العالم أن بين هذه الآيات اختلافا مع أنها لا اختلاف بينها، لأن الحكم المذكور فيها كلها راجع إلى شيء واحد، وهو معرفة الله وطاعته ومعرفة وعده ووعيده، فقوله: * (لتعلموا أن الله على كل