أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٣٢٩
ولا نزاع بين المسلمين في أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والتحقيق في معنى الآية الكريمة أن المراد بأولي الأمر: ما يشمل الأمراء والعلماء.
لأن العلماء مبلغون عن الله وعن رسوله، والأمراء منفذون، ولا تجوز طاعة أحد منهم إلا فيما أذن الله فيه.
لأن ما أمر به أولو الأمر لا يخلو من أحد أمرين:
أحدهما: أن يكون طاعة لله ولرسوله من غير نزاع، وطاعة أولي الأمر في مثل هذا من طاعة الله ورسوله.
والثاني: أن يحصل فيه نزاع هل هو من طاعة الله ورسوله أو لا؟
وفي هذه الحالة لا تجوز الطاعة العمياء لأولي الأمر ولا التقليد الأعمى كما صرح الله تعالى بذلك في نفس الآية.
لأنه تعالى لما قال: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الا مر منكم) *، أتبع ذلك بقوله: * (فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الا خر ذالك خير وأحسن تأويلا) *.
فالآية صريحة في رد كل نزاع إلى الله ورسوله.
والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، هو الرد إليه في حياته، والرد إلى سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
وقد قدمنا في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى: * (إني جاعل فى الأرض خليفة) * بعض الأحاديث الصحيحة الدالة على أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة).
وحديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في السرية الذين أمرهم أميرهم أن يدخلوا في النار (لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا إنما الطاعة في المعروف).
وفي الكتاب العزيز: * (ولا يعصينك فى معروف) *.
ولا يخفى أن طاعة الله وطاعة رسوله المأمور بها في الآية لا يتحقق وجودها إلا بمعرفة أمر الله ورسوله ونهي الله ورسوله.
(٣٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 ... » »»