أما استدلالهم بآية * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * فهو استدلال في غير محله.
فإن الآية لا تدل على هذا النوع من التقليد الأعمى الذي هو عليه من التزام جميع أقوال رجل واحد وترك جميع ما سواها.
ولا شك أن المراد بأهل الذكر أهل الوحي الذين يعلمون ما جاء من عند الله كعلماء الكتاب والسنة.
فقد أمروا أن يسألوا أهل الذكر ليفتوهم بمقتضى ذلك الذكر الذي هو الوحي.
ومن سأل عن الوحي وأعلم به، وبين له كان عمله به اتباعا للوحي لا تقليدا واتباع الوحي لا نزاع في صحته.
وإن كانت الآية تدل على نوع تقليد في الجملة، فهي لا تدل إلا على التقليد الذي قدمنا أنه لا خلاف فيه بين المسلمين، وهو تقليد العامي الذي تنزل به النازلة عالما من العلماء، وعمله بما أفتاه به من غير التزام منه لجميع ما يقوله ذلك العالم، ولا تركه لجميع ما يقوله غيره.
وأما استدلالهم بالحديث الوارد في الرجل الذي أصابته شجة في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه: هل يعلمون له رخصة في التيمم؟
فقالوا: ما نرى لك رخصة وأنت قادر على الماء، فاغتسل فمات.
فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال (قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا؟ فإنما شفاء العيي السؤال).
فهو استدلال أيضا في غير محله، وهو حجة أيضا على المقلدين لا لهم.
قال في إعلام الموقعين في بيان وجه ذلك ما نصه:
إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرشد المستفتين، كصاحب الشجة بالسؤال عن حكمه، وسنته فقال:
قتلوه قتلهم الله، فدعا عليهم حين أفتوا بغير علم.
وفي هذا تحريم الإفتاء بالتقليد.
فإنه ليس علما باتفاق الناس.
فإنما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاعله، فهو حرام وذلك أحد أدلة التحريم.
فما احتج به المقلدون هو من أكبر الحجج عليهم.
وكذلك سؤال أبي العسيف الذي زنى بامرأة مستأجرة لأهل العلم.
فإنه لما أخبروه