وأمثال هذا أكثر من أن تحصى، وفي ذلك بيان واضح، لأن سنة الخلفاء الراشدين هي المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتقديم سنته على كل شيء، فعلينا جميعا أن نعمل بمثل ما كانوا يعملون لنكون متبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنتهم.
أما المقلد المعرض عن سنتهم، وعن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مفضلا على ذلك تقليد أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد رحمهم الله، فما كان يحق له أن يستدل بحديث (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) الحديث لأنه مقر بمقتضى تقليده، بأنه أبعد الناس عن العمل بحديث (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) الحديث.
وأما استدلالهم، بأن عمر كتب إلى شريح:
أن اقض بما في كتاب الله فإن لم يكن في كتاب الله فبما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في سنة رسول الله، فيما قضى به الصالحون فهو حجة عليهم أيضا لا لهم.
لأن فيه تقديم كتاب الله، ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم العمل بما قضى به الصالحون، وخيرهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولو كان المقلدون يمتثلون هذا، لما أنكر عليهم أهل العلم، ولكن المقلدين المحتجين بهذا يمنعون العمل بكتاب الله وسنة رسوله، والعمل بفتاوى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويوجبون الجمود على قول الإمام الذي قلدوه والتزموا بمذهبه.
ومن كانت هذه حاله، فلا يحق له أن يستدل بشيء من هذه الأدلة.
وأما استدلالهم بأن عمر رضي الله عنه منع بيع أمهات الأولاد فتبعه الصحابة.
وألزم الطلاق الثلاث بكلمة واحدة وتبعه الصحابة.
فهو ظاهر السقوط أيضا.
وقد قدمنا أن متابعة بعض الصحابة لبعض إنما هي لاتفاقهم فيما رأوه، لا لأن بعضهم مقلد بعضا تقليدا أعمى.
وقد قدمنا إيضاح ذلك بما يكفي.
مع أن المقلدين المحتجين بهذا يمنعون تقليد عمر، وسائر الصحابة، فمن عجائبهم أنهم يستدلون بما يعتقدون أن العمل به ممنوع.