ولم تتعطل متاجرهم ولا صنائعهم، ولم يرتكبوا ما يمنعه الشرع ولا القدر.
بل كانوا كلهم لا يقدمون شيئا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وكان فيهم علماء مجتهدون يعلمون بالكتاب والسنة ويفتون بهما.
وكان فيهم قوم دون رتبتهم في العلم، يتعلمون من كتاب الله وسنة رسوله ما يحتاجون للعمل به في أنفسهم، وهم متبعون لا مقلدون.
وفيهم طائفة أخرى، هي العوام لا قدرة لها على التعلم.
وكانوا يستفتون فيما نزل من النوازل من شاءوا من العلماء وتارة يسألونه عن الدليل فيما أفتاهم به.
وتارة يكتفون بفتواه ولا يسألون ولم يتقيدوا بنفس ذلك العالم الذي استفتوه.
فإذا نزلت بهم نازلة أخرى، سألوا عنها غيره من العلماء إن شاءوا.
ولا إشكال في هذا الذي مضت عليه الصحابة والتابعون وتابعوهم، ولا يلزمه تعطيل صنائع ولا متاجر، ولا يمنعه شرع ولا قدر.
فكيف يستدل منصف للتقليد الأعمى، بأن الناس لو لم ترتكبه لوقعوا في المحذور المذكور.
وعلى كل حال فكل عاقل لم يعمه التعصب، يعلم أن تقليد إمام واحد بعينه، بحيث لا يترك من أقواله شيء، ولا يؤخذ من أقوال غيره شيء، وجعل أقواله عيارا لكتاب الله، وسنة رسوله فما وافق أقواله منهما جاز العمل به، وما خالفها منهما وجب اطراحه، وترك العمل به لا وجه له البتة.
وهو مخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة والتابعين وتابعيهم وإجماع الأئمة الأربعة.
فالواجب على المسلمين تعلم كتاب الله وسنة رسوله، والعمل بما علموا منهما.
والواجب على العوام الذين لا قدرة لهم على التعلم سؤال أهل العلم، والعمل بما أفتوهم به.
وسيأتي لهذا زيادة إيضاح وإقناع للمنصف في التنبيهات الآتية إن شاء الله تعالى.
وقد بينا هنا بطلان جميع الحجج التي يحتج بها المقلدون التقليد المذكور، وما لم