أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٣٣٠
والمقلدون مقرون على أنفسهم بأنهم لا يعلمون أمر الله ولا نهيه، ولا أمر رسوله ولا نهيه.
وغاية ما يدعون علمه هو أن الإمام الذي قلدوه قال كذا، مع عجزهم عن التمييز بين ما هو خطأ وما هو صواب، بل أكثرهم لا يميزون بين قول الإمام وبين ما ألحقه أتباعه بعده مما قاسوه على أصول مذهبه.
ولا شك أن طاعة العلماء هي اقتفاء ما كانوا عليه من النظر في كتاب الله وسنة رسوله وتقديمها على كل قول وعلى كل رأي كائنا ما كان.
فمن قلدهم التقليد الأعمى وترك الكتاب والسنة لأقوالهم، فهو المخالف لهم المتباعد عن طاعتهم كما تقدم، وكما سيأتي إن شاء الله.
وأما استدلالهم على التقليد بقوله تعالى: * (والسابقون الا ولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه) *، قائلين: إن تقليدهم من جملة اتباعهم بإحسان، فمقلدهم ممن رضي الله عنه بنص الآية فهو ظاهر السقوط أيضا.
لأن الذين اتبعوهم بإحسان هم الذين ساروا على مثل ما كانوا عليه من العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فلم يكن أحد منهم يقلد رجلا ويترك الكتاب والسنة لقوله.
فالمقلدون التقليد الأعمى ليسوا ممن اتبعوهم البتة، بل هم أعظم الناس مخالفة لهم، وأبعدهم عن اتباعهم، فأتبع الناس لمالك مثلا ابن وهب ونظراؤه، ممن يعرضون أقواله على الكتاب والسنة، فيأخذون منها ما وافقهما دون غيره.
وأتبع الناس لأبي حنيفة أبو يوسف ومحمد مع كثرة مخالفتهما له، لأجل الدليل من كتاب أو سنة.
وأتبع أصحاب أحمد بن حنبل له البخاري ومسلم وأبو داود والأثرم لتقديمهم الدليل على قوله وقول غيره، وهكذا.
وأما استدلالهم على تقليدهم: بحديث (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) فهو ظاهر السقوط أيضا.
(٣٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 ... » »»