أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ١٢٤
النار مع أنه صلى الله عليه وسلم يعترف بأن عيسى رسول الله وأنه ليس في النار، دل ذلك على بطلان كلامه عنده.
وعند ذلك أنزل الله * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولائك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم فى ما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الا كبر) *، وأنزل الله أيضا قوله تعالى: * (ولما ضرب ابن مريم مثلا) *.
وعلى هذا القول فمعنى قوله تعالى: * (ما ضربوه لك إلا جدلا) *، أي ما ضربوا عيسى مثلا إلا من أجل الجدل والخصومة بالباطل.
وقيل إن جدلا حال وإتيان المصدر المنكر حالا كثير، وقد أوضحنا توجيهه مرارا.
والمراد بالجدل هنا الخصومة بالباطل لقصد الغلبة بغير حق.
قال جماعة من العلماء: والدليل على أنهم قصدوا الجدل بشيء يعلمون في أنفسهم أنه باطل، أن الآية التي تذرعوا بها إلى الجدل، لا تدل البتة، على ما زعموه، وهم أهل اللسان، ولا تخفى عليهم معاني الكلمات.
والآية المذكورة إنما عبر الله فيها بلفظة (ما) التي هي في الموضع العربي لغير العقلاء لأنه قال * (إنكم وما تعبدون) * ولم يقل (ومن) تعبدون وذلك صريح في أن المراد الأصنام، وأنه لا يتناول عيسى ولا عزيرا ولا الملائكة، كما أوضح تعالى أنه لم يرد ذلك بقوله تعالى بعده: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) *.
وإذا كانوا يعلمون من لغتهم أن الآية الكريمة، لم تتناول عيسى بمقتضى لسانهم العربي، الذي نزل به القرآن، تحققنا أنهم ما ضربوا عيسى مثلا، إلا لأجل الجدل، والخصومة بالباطل.
ووجه التعبير في صيغة الجمع في قوله * (ما ضربوه لك إلا جدلا) * مع أن ضارب المثل واحد وهو ابن الزبعري يرجع إلى أمرين:
أحدهما: أن من أساليب اللغة العربية إسناد فعل الرجل الواحد من القبيلة إلى جميع
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»