ومعنى الآية الكريمة، أن الله لما بين حقارة الدنيا، وعظم شأن الآخرة في قوله: * (ورحمة ربك خير مما يجمعون) *.
أتبع ذلك ببيان شدة حقارتها، وأنه جعلها مشتركة، بين المؤمنين، والكافرين وجعل ما في الآخرة من النعيم خاصا بالمؤمنين، دون الكافرين وبين حكمته في اشتراك المؤمن مع الكافر، في نعيم الدنيا بقوله: * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة) * أي لولا كراهتنا لكون جميع الناس أمة واحدة، متفقة على الكفر، لأعطينا زخارف الدنيا كلها للكفار.
ولكننا لعلمنا، بشدة ميل القلوب إلى زهرة الحياة الدنيا، وحبها لها لو أعطينا ذلك كله للكفار، لحملت الرغبة في الدنيا جميع الناس على أن يكونوا كفارا، فجعلنا في كل من الكافرين والمؤمنين غنيا وفقيرا، وأشركنا بينهم في الحياة الدنيا.
ثم بين جل وعلا اختصاص نعيم الآخرة بالمؤمنين في قوله: * (وإن كل ذلك لما متاع الحيواة الدنيا والا خرة عند ربك للمتقين) *.
أي خالصة لهم دون غيرهم.
وهذا المعنى جاء موضحا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في الأعراف: * (قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين ءامنوا فى الحيواة الدنيا خالصة يوم القيامة) *.
فقوله: * (قل هى للذين ءامنوا فى الحيواة الدنيا) * أي مشتركة بينهم في الحياة الدنيا، خالصة يوم القيامة.
أي خاصة بهم، دون الكفار، يوم القيامة.
إذ لا نصيب للكفار البتة في طيبات الآخرة.
فقوله في آية الأعراف هذه * (قل هى للذين ءامنوا فى الحيواة الدنيا) * صريح في اشتراك المؤمنين مع الكفار في متاع الحياة الدنيا.
وذلك الاشتراك المذكور، دل عليه حرف الامتناع، للوجود الذي هو لولا، في قوله هنا * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة) *.
وخصوص طيبات الآخرة، بالمؤمنين المنصوص عليه في آية الأعراف بقوله * (خالصة يوم القيامة) * هو الذي أوضحه تعالى في آية الزخرف هذه بقوله * (والا خرة عند ربك للمتقين) *.