أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ١١٢
وقدمنا معاني إطلاق الرحمة، في القرآن في سورة فاطر، في الكلام على قوله تعالى * (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) *.
وقوله تعالى في هذه الآية * (نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحيواة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) * يعني أنه تعالى لم يفوض إليهم أمر معايشهم وحظوظهم، في الدنيا، بل تولى هو جل وعلا قسمة ذلك بينهم، فجعل هذا غنيا، وهذا فقيرا، وهذا رفيعا، وهذا وضيعا، وهذا خادما، وهذا مخدوعا، ونحو ذلك فإذا لم يفوض إليهم، حظوظهم في الدنيا، ولم يحكمهم فيها.
بل كان تعالى هو المتصرف فيها بما شاء كيف شاء، فكيف يفوض إليهم أمر إنزال الوحي حتى يتحكموا في من ينزل إليه الوحي؟
فهذا مما لا يعقل ولا يظنه إلا غبي جاهل كالكفار المذكورين.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة * (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) * التحقيق إن شاء الله أنه من التسخير.
ومعنى تسخير بعضهم لبعض، خدمة بعضهم البعض، وعمل بعضهم لبعض، لأن نظام العالم في الدنيا، يتوقف قيامه على ذلك، فمن حكمته جل وعلا، أن يجعل هذا فقيرا مع كونه قويا قادرا على العمل، ويجعل هذا ضعيفا لا يقدر على العمل بنفسه، ولكنه تعالى يهيىء له دراهم، يؤجر بها ذلك الفقير القوي فينتفع القوي بدراهم الضعيف، والضعيف بعمل القوي فتنتظم المعيشة، لكل منهما وهكذا.
وهذه المسائل التي ذكرها الله جل وعلا، في هذه السورة الكريمة جاءت كلها موضحة في آيات أخر من كتاب الله.
أما زعمهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم أنقص شرفا، وقدرا من أن ينزل عليه الوحي، فقد ذكره الله عنهم في (ص) في قوله تعالى * (أءنزل عليه الذكر من بيننا بل هم فى شك من ذكرى) *.
فقول كفار مكة * (أءنزل عليه الذكر من بيننا) * معناه إنكارهم، أن يخصه الله بإنزال الوحي من بينهم، لزعمهم أن فيهم من هو أحق بالوحي منه، لكثرة ماله، وجاهه وشرفه فيهم.
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»