أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ١٥٠
((سورة القصص)) * (طسم * تلك ءايات الكتاب المبين * نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون * إن فرعون علا فى الا رض وجعل أهلها شيعا يستضعف طآئفة منهم يذبح أبنآءهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين * ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الا رض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم فى الا رض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون * وأوحينآ إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رآدوه إليك وجاعلوه من المرسلين * فالتقطه ءال فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين * وقالت امرأت فرعون قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون * وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين * وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون * وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون * فرددناه إلى أمه كى تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولاكن أكثرهم لا يعلمون * ولما بلغ أشده واستوى ءاتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين * ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هاذا من شيعته وهاذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هاذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين * قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم * قال رب بمآ أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين * فأصبح فى المدينة خآئفا يترقب فإذا الذى استنصره بالا مس يستصرخه قال له موسى إنك لغوى مبين * فلمآ أن أراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما قال ياموسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالا مس إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الا رض وما تريد أن تكون من المصلحين * وجآء رجل من أقصى المدينة يسعى قال ياموسى إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنى لك من الناصحين * فخرج منها خآئفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين * ولما توجه تلقآء مدين قال عسى ربى أن يهدينى سوآء السبيل * ولما ورد مآء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعآء وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لمآ أنزلت إلى من خير فقير * فجآءته إحداهما تمشى على استحيآء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جآءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين * قالت إحداهما ياأبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين * قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك ومآ أريد أن أشق عليك ستجدنى إن شاء الله من الصالحين * قال ذلك بينى وبينك أيما الا جلين قضيت فلا عدوان على والله على ما نقول وكيل * فلما قضى موسى الا جل وسار بأهله ءانس من جانب الطور نارا قال لاهله امكثوا إنىءانست نارا لعلى ءاتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون * فلمآ أتاها نودى من شاطىء الوادى الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسى إنى أنا الله رب العالمين * وأن ألق عصاك فلما رءاها تهتز كأنها جآن ولى مدبرا ولم يعقب ياموسى أقبل ولا تخف إنك من الا منين * اسلك يدك فى جيبك تخرج بيضآء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين * قال رب إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون * وأخى هرون هو أفصح منى لسانا فأرسله معى ردءا يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون * قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بأاياتنآ أنتما ومن اتبعكما الغالبون * فلما جآءهم موسى بأاياتنا بينات قالوا ما هاذآ إلا سحر مفترى وما سمعنا بهاذا فىءابآئنا الا ولين * وقال موسى ربى أعلم بمن جآء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون * وقال فرعون ياأيها الملأ ما علمت لكم من إلاه غيرى فأوقد لى ياهامان على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إلاه موسى وإنى لأظنه من الكاذبين * واستكبر هو وجنوده فى الا رض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون * فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين * وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون) * قوله تعالى: * (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الا رض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) *. قد قدمنا أن قوله هنا: * (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا) *، هو الكلمة في قوله تعالى: * (وتمت كلمت ربك الحسنى على بنى) *، ولم يبين هنا السبب الذي جعلهم به أئمة جمع إمام، أي: قادة في الخير، دعاة إليه على أظهر القولين. ولم يبين هنا أيضا الشئ الذي جعلهم وارثيه، ولكنه تعالى بين جميع ذلك في غير هذا الموضع؛ فبين السبب الذي جعلهم به أئمة في قوله تعالى: * (إسراءيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بئاياتنا يوقنون) *، فالصبر واليقين هما السبب في ذلك، وبين الشئ الذي جعلهم له وارثين بقوله تعالى: * (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها) *، وقوله تعالى: * (كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما ءاخرين) *، وقوله تعالى: * (فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم * كذلك وأورثناها بنى) *. * (فالتقطه ءال فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) *. اعلم أن التحقيق إن شاء الله، أن اللام في قوله: * (فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) *، لام التعليل المعروفة بلام كي، وذلك على سبيل الحقيقة لا المجاز، ويدل على ذلك قوله تعالى: * (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) *.
وإيضاح ذلك أن قوله تعالى: * (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) *، صريح في أن الله تعالى يصرف مشيئة العبد وقدرته بمشيئته جل وعلا، إلى ما سبق به علمه، وقد صرف مشيئة فرعون، وقومه بمشيئته جل وعلا، إلى التقاطهم موسى؛ ليجعله لهم عدوا وحزنا،
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»