وهذا المعنى توضحه آيات من كتاب الله؛ كقوله تعالى: * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) *، ومعلوم أن عشر أمثال الحسنة خير منها هي وحدها؛ وكقوله تعالى: * (وإن تك حسنة يضاعفها) *، وقوله تعالى: * (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف) *.
وأما النوع الثاني من الحسنة: فكقول من قال من أهل العلم: إن المراد بالحسنة في هذه الآية: لا إلاه إلا الله، ولا يوجد شئ خير من لا إلاه إلا الله، بل هي أساس الخير كله، والذي يظهر على هذا المعنى أن لفظة * (خير) * ليست صيغة تفضيل.
وأن المعنى: * (فله خير) * عظيم عند الله حاصل له منها، أي: من قبلها ومن أجلها، وعليه فلفظة * (من) * في الآية؛ كقوله تعالى: * (مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا) *، أي: من أجل خطيآتهم أغرقوا، فأدخلوا نارا. وأما على الأول فخير صيغة تفضيل، ويحتمل عندي أن لفظة * (خير) * على الوجه الثاني صيغة تفضيل أيضا، ولا يراد بها تفضيل شئ على لا إلاه إلا الله، بل المراد أن كلمة لا إلاه إلا الله تعبد بها العبد في دار الدنيا، وتعبده بها فعله المحض، وقد أثابه الله في الآخرة على تعبده بها، وإثابة الله فعله جل وعلا، ولا شك أن فعل الله خير من فعل عبده، والعلم عند الله تعالى. * (وهم من فزع يومئذ ءامنون) *. دلت على معناه آيات من كتاب الله؛ كقوله تعالى في أمنهم من الفزع: * (لا يحزنهم الفزع الاكبر وتتلقاهم الملئكة) *، وقوله تعالى في أمنهم: * (وما أموالكم ولا أولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى إلا من) *، وقوله تعالى: * (أفمن يلقى فى النار خير * من إن الذين يلحدون فى) *، وقوله تعالى: * (وهم من فزع يومئذ) *، قرأه عاصم، وحمزة، والكسائي بتنوين * (فزع) *، وفتح ميم * (يومئذ) *، وقرأه الباقون بغير تنوين، بل بالإضافة إلى * (يومئذ) *، إلا أن نافعا قرأ بفتح ميم * (يومئذ) * مع إضافة * (فزع) * إليه، وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو بإضافة * (فزع) * إلى * (يومئذ) * مع كسر ميم * (يومئذ) *، وفتح الميم وكسرها من نحو * (يومئذ) *، قد أوضحناه بلغاته وشواهده العربية مع بيان المختار من اللغات في سورة