أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤٦١
الحرم إلا القتل والعمل على أن كل جان دخل الحرم لم يقم عليه حد جنايته، حتى يخرج منه إلى أن قال: وقال مالك والشافعي وابن المنذر: يستوفى منه فيه لعموم الأمر بجلد الزاني، وقطع السارق، واستيفاء القصاص من غير تخصيص بمكان دون مكان، اه محل الغرض منه.
وقال ابن حجر في (فتح الباري): وقال أبو حنيفة: لا يقتل في الحرم، حتى يخرج إلى الحل باختياره ولكن لا يجالس ولا يكلم، ويوعظ، ويذكر حتى يخرج. وقال أبو يوسف: يخرج مضطرا إلى الحل وفعله ابن الزبير.
وروى ابن أبي شيبة من طريق طاوس عن ابن عباس: من أصاب حدا ثم دخل الحرم لم يجالس ولم يبايع. وعن مالك والشافعي: يجوز إقامة الحد مطلقا فيها؛ لأن العاصي هتك حرمة نفسه فأبطل ما جعل الله له من الأمن، اه محل الغرض منه.
وقال الشوكاني في (نيل الأوطار)، مشيرا إلى إقامة الحدود واستيفاء القصاص في الحرم، وقد ذهب إلى ذلك مالك والشافعي وهو اختيار ابن المنذر، ويؤيد ذلك عموم الأدلة القاضية باستيفاء الحدود في كل مكان وزمان، وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، والحنفية، وسائر أهل العراق، وأحمد ومن وافقه من أهل الحديث والعترة: إلى أنه لا يحل لأحد أن يسفك بالحرم دما، ولا يقيم به حدا حتى يخرج منه من لجأ إليه، اه محل الغرض منه.
وإذا عرفت من هذه النقول أقوال أهل العلم في هذه المسألة، فهذه أدلتهم ومناقشتها. أما الذين قالوا: يستوفى منه كل حد في الحرم إن لجأ إليه كمالك، والشافعي، وابن المنذر ومن وافقهم، فقد استدلوا بأدلة:
منها أن نصوص الكتاب والسنة الدالة على إقامة الحدود واستيفاء القصاص، ليس في شئ منها تخصيص مكان دون مكان، ولا زمان دون زمان، وظاهرها شمول الحرم وغيره. قالوا: والعمل بظواهر النصوص واجب، ولا سيما إذا كثرت.
ومنها أن استيفاء القصاص وإقامة الحدود حق واجب بتشريع الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وفعل الواجب الذي هو عين طاعة الله في الحرم ليس فيه أي انتهاك لحرمة
(٤٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 ... » »»