أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤٦٠
وأظهر القولين دليلا: أنه لا يحد الوالد لولده؛ لعموم قوله: * (وبالوالدين إحسانا) *، وقوله: * (فلا تقل لهما أف) *، فلا ينبغي للولد أن يطلب حد والده للتشفي منه. وقول المالكية في هذه المسألة في غاية الإشكال، لأنهم يقولون: إن الولد يمكن من حد والده القاذف له وأنه يعد بحده له فاسقا بالعقوق؛ كما قال خليل في (مختصره): وله حد أبيه وفسق، ومعلوم أن الفسق لا يكون إلا بارتكاب كبيرة، والشرع لا يمكن أحدا من ارتكاب كبيرة؛ كما ترى مع أن الروايات عن مالك نفسه ظاهرها عدم الحد وقاله غير واحد من أهل مذهبه.
المسألة السادسة والعشرون: في حكم من قتل أو أصاب حدا خارج الحرم، ثم لجأ إلى الحرم هل يستوفى منه الحق في الحرم، أو لا يستوفى منه حتى يخرج من الحرم؟
اعلم أن هذه المسألة فيها للعلماء ثلاثة مذاهب:
الأول: أنه يستوفى منه الحق قصاصا كان أو حدا قتلا كان أو غيره.
الثاني: أنه لا يستوفى منه حد ولا قصاص ما دام في الحرم، سواء كان قتلا أو غيره.
الثالث: أنه يستوفى منه كل شئ من الحدود إلا القتل، فإنه لا يقتل في الحرم في حد كالرجم، ولا في قصاص والخلاف في هذه المسألة مشهور عند أهل العلم.
قال ابن قدامة في (المغني): وجملته أن من جنى جناية توجب قتلا خارج الحرم، ثم لجأ إليه لم يستوف منه فيه، وهذا قول ابن عباس، وعطاء، وعبيد بن عمير، والزهري، وإسحاق، ومجاهد، والشعبي، وأبي حنيفة وأصحابه.
وأما غير القتل من الحدود كلها والقصاص فيما دون النفس، فعن أحمد فيه روايتان:
إحداهما: لا يستوفى من الملتجىء إلى الحرم فيه.
والثانية: يستوفي وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأن المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن القتل لقوله عليه الصلاة والسلام: (فلا يسفك فيها دم)، وحرمة النفس أعظم فلا يقاس غيرها عليها، ولأن الحد بالجلد جرى مجرى التأديب، فلم يمنع كتأديب السيد عبده والأولى ظاهر كلام الخرقي، وهي ظاهر المذهب.
قال أبو بكر: هذه مسألة وجدتها مفردة لحنبل عن عمه: أن الحدود كلها تقام في
(٤٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 455 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 ... » »»