يحد بقذف غير المحصن إذا كان حيا فلأن لا يحد بقذفه ميتا أولى، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الملاعنة: (ومن رمى ولدها فعليه الحد)، يعني: من رماه بأنه ولد زنى، وإذا وجب بقذف ولد الملاعنة بذلك، فبقذف غيره أولى؛ ولأن أصحاب الرأي أوجبوا الحد على من نفى رجلا عن أبيه إذا كان أبواه حرين مسلمين، ولو كانا ميتين، والحد إنما وجب للولد؛ لأن الحد لا يورث عندهم. فإما إن قذفت أمه بعد موتها، وهو مشرك أو عبد، فلا حد عليه في ظاهر كلام الخرفي، سواء كانت الأم حرة مسلمة أو لم تكن. وقال أبو ثور وأصحاب الرأي: إذا قال لكافر أو عبد: لست لأبيك، وأبواه حران مسلمان فعليه الحد، وإن قال لعبد أمه حرة وأبوه عبد:
لست لأبيك فعليه الحد، وإن كان العبد للقاذف عند أبي ثور، وقال أصحاب الرأي: يصح أن يحد المولى لعبده، واحتجوا بأن هذا قذف لأمه فيعتبر إحصانها دون إحصانه؛ لأنها لو كانت حية كان القذف لها فكذلك إذا كانت ميتة، ولأن معنى هذا: إن أمك زنت فأتت بك من الزنى، فإذا كان من الزنى منسوبا إليها كانت هي المقذوفة دون ولدها، ولنا ما ذكرناه؛ ولأنه لو كان القذف لها لم يجب الحد، لأن الكافر لا يرث المسلم، والعبد لا يرث الحر، ولأنهم لا يوجبون الحد لقذف ميتة بحال، فيثبت أن القذف له فيعتبر إحصانه دون إحصانها، والله أعلم، اه بطولة من (المغني).
وقد رأيت في كلامه أقوال أهل العلم في رمي المرأة الميتة، إن كان لها أولاد، ورمي المرأة الحية التي لها أولاد، وبه نعلم أن الحد يورث عند المالكية والشافعية، إلا أنه عند المالكية لا يطلبه إلا الفروع والأصول، ويحد بطلب كل منهم وإن كان يوجد منهم من هو أقرب من طالب الحد، وأنه عند عدم الفروع والأصول يطالب به الأخوة والعصبة، وكل ذلك يدل على أنهم ورثوا ذلك الحق في الجملة عن المقذوف الميت، وأن الشافعية يقولون: إنه ينقسم بانقسام الميراث، كما نقله عنهم صاحب المغني في كلامه المذكور، وأن الحنفية يقولون: إن الحد لا يورث، وهو ظاهر المذهب الحنبلي، وأن بعض أهل العلم قال: لا يحد من قذف ميتة بحال.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي، والله تعالى أعلم في هذه المسألة: أن قذف الأم إن كان يستلزم نفي نسب ولدها فلها القيام حية، ولولدها القيام إذا لم تطالب هي؛ لأنه مقذوف بقذفها، خلافا لما في كلام صاحب (المغني)، وكذلك إن كانت ميتة فله القيام، ويحد له القاذف. وقول صاحب (المغني): تعتبر حصانته هو دون حصانتها هي لم يظهر له معنى؛ لأن نفي نسب إنسان لا تشترط فيه حصانة المنفي نسبه،