لأنا لو فرضنا أنها جاءت به من زنى، فإنه هو لا ذنب له، ولا يعتبر زانيا، كما ترى.
والحاصل أن قذف الأم إن كان يستلزم قذف ولدها، فالأظهر إقامة الحد على القاذف بطلب الأم، وبطلب الولد، وإن كانت حية؛ لأنه مقذوف وأحرى إن كانت ميتة، وإن كانت الأم لا ولد لها، أو لها ولد لا يستلزم قذفها قذفه فهي مسألة: هل يحد من قذف ميتا أو لا؟ وقد رأيت خلاف العلماء فيها، ولكل واحد من القولين وجه من النظر؛ لأن الظاهر أن حرمة عرض الإنسان لا تسقط بالموت، وهذا يقتضي حد من قذف ميتة، ووجه الثاني: أن الميتة لا يصح منها الطلب، فلا يحد بدون طلب؛ ولأن من مات لا يتأذى بكلام القاذف، وإن كان كذبا بل يفرح به؛ لأنه يكون له فيه حسنات، وإن كان حقا ما رماه به، فلا حاجة له بحده بعد موته، لأنه لم يقل إلا الحق وحده وهو صادق لا حاجة للميت فيه، اه.
وأقربهما عندي أنه يعزر تعزيرا رادعا ولا يقام عليه الحد.
واعلم أن الحي إذا قذفه آخر بالزنا، وهو يعلم في نفسه أن القاذف صادق، فقد قال بعض أهل العلم: إن له المطالبة بحده مع علمه بصدقه فيما رماه به، وهو مذهب مالك، ومن وافقه.
والأظهر عندي أنه إن كان يعلم أنما قذفه به حق أنه لا تنبغي له المطالبة بحده؛ لأنه يتسبب في إيذائه بضرب الحد، وهو يعلم أنه محق فيما قال، والعلم عند الله تعالى.
وذكر غير واحد من أهل العلم أن من قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم أو قذفه هو صلى الله عليه وسلم أن ذلك ردة، وخروج من دين الإسلام، وهو ظاهر لا يخفى، وأن حكمه القتل، ولكنهم اختلفوا إذا تاب هل تقبل توبته؟ فذهبت جماعة من أهل العلم إلى أنه لا تقبل توبته ويقتل على كل حال. وقال بعض أهل العلم: تقبل توبته إن تاب، وهذا الأخير أقرب لكثرة النصوص الدالة على قبول توبة من تاب، ولو من أعظم أنواع الكفر، والله تعالى أعلم.
المسألة الخامسة والعشرون: في حكم من قذف ولده.
وقد اختلف أهل العلم في ذلك، (قال في المغني): وإذا قذف ولده وإن نزل لم يجب الحد عليه، سواء كان القاذف رجلا أو امرأة وبهذا قال عطاء، والحسن، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وقال مالك، وعمر بن عبد العزيز، وأبو ثور، وابن المنذر عليه الحد لعموم الآية؛ ولأنه حد فلا تمنع من وجوبه قرابة الولادة كالزنى.