أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤١٢
كونه في السند فظاهر، وأما كونه في المتن فلأن حديث أبي داود ليس فيه التصريح بنفي التغريب، والصريح مقدم على غير الصريح كما هو معروف في الأصول، وبه تعلم أن الأصح الذي لا ينبغي العدول عنه جمع الجلد والتغريب.
وأما الاستدلال بحديث الأمة فليس بوجيه لاختلاف الأمة والأحرار في أحكام الحد، فهي تجلد خمسين، ولو محصنة، ولا ترجم. والأحرار بخلاف ذلك، فأحكام الأحرار والعبيد في الحدود قد تختلف.
وقد بينت آية (النساء) اختلاف الحرة والأمة في حكم حد الزنا من جهتين:
إحداهما: أنها صرحت بأنها إن كانت محصنة، فعليها الجلد لا الرجم.
والثانية: أن عليها نصفه، وذلك في قوله: * (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) *، فتأمل قوله: * (فإذا أحصن) *، وقوله: * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) *، يظهر لك ما ذكرنا.
ومما ذكرنا تعلم أن الأصح الذي لا ينبغي العدول عنه هو وجوب تغريب البكر سنة مع جلده مائة لصراحة الأدلة الصحيحة في ذلك، والعلم عند الله تعالى.
فروع تتعلق بهذه المسألة الفرع الأول: اعلم أن الذين قالوا بالتغريب، وهم الجمهور، اختلفوا في تغريب المرأة، فقال جماعة من أهل العلم: تغرب المرأة سنة لعموم أدلة التغريب، وممن قال به: الشافعي وأحمد، وقال بعض أهل العلم: لا تغريب على النساء، وممن قال به مالك والأوزاعي، وروي مثله عن علي رضي الله عنه.
أما حجة من قال بتغريب النساء فهي عموم أدلة التغريب، وظاهرها شمول الأنثى، وأما الذين قالوا: لا تغريب على النساء، فقد احتجوا بالأحاديث الصحيحة الواردة بنهي المرأة عن السفر، إلا مع محرم أو زوج.
وقد قدمناها في سورة (النساء) في الكلام على مسافة القصر، قالوا: لا يجوز سفرها دون محرم، ولا يكلف محرمها بالسفر معها؛ لأنه لا ذنب له يكلف السفر بسببه، قالوا: ولأن المرأة عورة وفي تغريبها تضييع لها، وتعريض لها للفتنة، ولذلك نهيت عن السفر إلا
(٤١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 ... » »»