أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٦٤
قوله تعالى: * (ومن يدع مع الله إلها ءاخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) *. البرهان: الدليل الذي لا يترك في الحق لبسا، وقوله: لا برهان له به كقوله * (ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا) *. والسلطان: هو الحجة الواضحة وهو بمعنى: البرهان وقوله في هذه الآية الكريمة * (فإنما حسابه عند ربه) * قد بين أن حسابه الذي عند ربه، لا فلاح له فيه بقوله بعده * (إنه لا يفلح الكافرون) * وأعظم الكفارين كفرا هو من يدعو مع الله إلاها آخر، لا برهان له به، ونفي الفلاح عنه يدل على هلاكه وأنه من أهل النار، وقد حذر الله من دعاء إلاه معه في آيات كثيرة كقوله: * (ولا تجعلوا مع الله إلاها ءاخر إنء لكم منه نذير مبين) * وقوله: * (ولا تدع مع الله إلاها ءاخر لا إلاه إلا هو كل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) * وقوله تعالى: * (لا تجعل مع الله إلاها ءاخر فتقعد مذموما مخذولا) * والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا، ولا خلاف بين أهل العلم أن قوله هنا: * (لا برهان له به) * لا مفهوم مخالفة له، فلا يصح لأحد أن يقول: أما من عبد معه إلاها آخر له برهان به فلا مانع من ذلك، لاستحالة وجود برهان على عبادة آلاه آخر معه، بل البراهين القطعية المتواترة، دالة على أنه هو المعبود وحده جل وعلا ولا يمكن أن يوجد دليل على عبادة غيره البتة. وقد تقرر في فن الأصول أن من موانع اعتبار مفهوم المخالفة، كون تخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع فيرد النص ذاكرا لوصف الموافق للواقع ليطبق عليه الحكم، فتخصيصه بالذكر إذا ليس لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق، بل لتخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع.
ومن أمثلته في القرآن هذه الآية لأن قوله: * (لا برهان له به) * وصف مطابق للواقع، لأنهم يدعون معه غيره بلا برهان، فذكر الوصف لموافقته الواقع، لا لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق.
ومن أمثلته في القرآن أيضا قوله تعالى: * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أوليآء من دون المؤمنين) * لأنه نزل في قوم والوا اليهود دون المؤمنين، فقوله * (من دون المؤمنين) * ذكر لموافقته للواقع لا لإخراج المفهوم، عن حكم المنطوق ومعلوم أن اتخاذ
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»