والمعنى: أن الكفار يسخرون ضعفاء المؤمنين، ويستعبدونهم كما كان يفعله أمية بن خلف ببلال، ولا يخفى أن الصواب هو ما ذكرنا إن شاء الله تعالى، وحتى في قوله: * (حتى أنسوكم ذكرى) * حرف غاية، لاتخاذهم إياهم سخريا: أي لم يزالوا كذلك، حتى أنساهم ذلك ذكر الله والإيمان به، فكان مأواهم النار، والعياذ بالله.
قوله تعالى: * (إنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفآئزون) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه جزى أولئك المؤمنين المستضعفين في الدنيا بالفوز بالجنة في الآخرة. وقوله: * (بما صبروا) * أي بسبب صبرهم في دار الدنيا، على أذى الكفار الذين اتخذوهم سخريا، وعلى غير ذلك من امتثال أمر الله، واجتناب نهيه، وما دلت عليه هذه الآية الكريمة، من أن أولئك المستضعفين الذين كان الكفار يستهزؤون بهم، جزاهم الله يوم القيامة الفوز بجنته، ورضوانه، جاء مبينا في مواضع أخر مع بيان أنهم يوم القيامة يهزؤون بالكفار، ويضحكون منهم، والكفار في النار. والعياذ بالله كقوله تعالى: * (فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون) * وقوله تعالى: * (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) * وقوله: * (زين للذين كفروا الحيواة الدنيا ويسخرون من الذين ءامنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) * إلى غير ذلك من الآيات. وقرأ حمزة والكسائي: إنهم هم الفائزون بكسر همزة إن، وعلى قراءتهما فمفعول جزيتهم: محذوف: أي جزيتهم جنتي إنهم هم الفائزون، وعلى هذه القراءة فإن لاستئناف الكلام، وقرأ الباقون: أنهم هم الفائزون. بفتح همزة أن، وعلى قراءة الجمهور هذه فالمصدر المنسبك، من أن وصلتها: مفعول به لجزيتهم: أي جزيتهم فوزهم كما لا يخفى. والفوز نيل المطلوب الأعظم.
قوله تعالى: * (قال كم لبثتم فى الا رض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العآدين) *. في هذه الآية سؤال معروف: وهو أنهم لما سئلوا يوم القيامة عن قدر مدة لبثهم في الأرض في الدنيا أجابوا بأنهم لبثوا يوما أو بعض يوم، مع أنه قد دلت آيات أخر على أنهم أجابوا بغير هذا الجواب كقوله تعالى: * (يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا) * والعشر أكثر من يوم أو بعضه، وكقوله تعالى: * (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا