أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٦٠
للظالمين من نصير) * إلى غير ذلك من الآيات الدالة على مثل هذه الأجوبة.
وعن ابن عباس: أن بين كل طلب منها وجوابه ألف سنة والله أعلم. وقوله في هذه الآية: ولا تكلمون: أي في رفع العذاب عنكم، ولا إخراجكم من النار أعاذنا الله، وإخواننا المسلمين منها.
قوله تعالى: * (إنه كان فريق من عبادى يقولون ربنآ ءامنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكرى وكنتم منهم تضحكون) *. قد تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه، أن إن المكسورة المشددة من حروف التعليل، كقولك: عاقبه إنه مسيء: أي لأجل إساءته. وقوله في هذه الآية: * (إنه كان فريق من عبادى) *. يدل فيه لفظ إن المكسورة المشددة، على أن الأسباب التي أدخلتهم النار هو استهزاؤهم، وسخريتهم من هذا الفريق المؤمن الذي يقول: * (ربنآ ءامنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين) * فالكفار يسخرون من ضعفاء المؤمنين في الدنيا حتى ينسيهم ذلك ذكر الله، والإيمان به فيدخلون بذلك النار.
وما ذكره تعالى في هاتين الآيتين الكريمتين أشار له في غير هذا الموضع، كقوله تعالى: * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون) * وكقوله تعالى: * (وكذالك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهاؤلاء من الله عليهم من بيننآ) * وكل ذلك احتقار منهم لهم، وإنكارهم أن الله يمن عليهم بخير، وكقوله تعالى: * (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) *. وقوله تعالى عنهم: * (لو كان خيرا ما سبقونآ إليه) * وكل ذلك احتقار منهم لهم. وقوله: * (فاتخذتموهم سخريا) * والسخري بالضم والكسر: مصدر سخر منه، إذا استهزأ به على سبيل الاحتقار. قال الزمخشري في ياء النسب: زيادة في الفعل، كما قيل في الخصوصية بمعنى الخصوص، ومعناه: أن الياء المشددة في آخره تدل على زيادة سخرهم منهم: ومبالغتهم في ذلك، وقرأ نافع وحمزة والكسائي: سخريا بضم السين، والباقون بكسرها ومعنى القراءتين واحد، وهو سخرية الكفار واستهزاؤهم بضعفاء المؤمنين، كما بينا. وممن قال بأن معناهما واحد: الخليل وسيبويه، وهو الحق إن شاء الله تعالى. وعن الكسائي والفراء: أن السخري بكسر السين من قبيل ما ذكرنا من الاستهزاء، وأن السخري بضم السين من التسخير، الذي هو التذليل والعبودية.
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»