أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٦٣
قوله تعالى: * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إلاه إلا هو رب العرش الكريم) *. الاستفهام في قوله: أفحسبتم للانكار، والحسبان هنا معناه: الظن. يعني: أظننتم أنا خلقناكم عبثا لا لحكمة، وأنكم لا ترجعون إلينا يوم القيامة، فنجازيكم على أعمالكم، إن خيرا فخير، وإن شرا شر، ثم نزه جل وعلا نفسه، عن أن يكون خلقهم عبثا، وأنهم لا يرجعون إليه للحساب والجزاء.
وقوله: * (فتعالى الله الملك الحق لا إلاه إلا هو رب العرش الكريم) * أي تعاظم وتقدس، وتنزه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله، ومنه خلقكم عبثا سبحانه وتعالى، عن ذلك علوا كبيرا.
وما تضمنته هذه الآية من إنكار الظن المذكور جاء موضحا في غير هذا الموضع كقوله تعالى: * (وما خلقنا السمآء والا رض وما بينهما باطلا ذالك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) * وقوله تعالى: * (وما خلقنا السماوات والا رض وما بينهما لاعبين ما خلقناهمآ إلا بالحق) * وقوله تعالى: * (أيحسب الإنسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من منى يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والا نثى) * وقوله: سدى: أي مهملا لا يحاسب ولا يجازي، وهو محل إنكار ظن ذلك في قوله: * (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) * وقوله: عبثا: يجوز إعرابه حالا، لأنه مصدر منكر أي إنما خلقناكم في حال كوننا عابثين، ويجوز أن يعرب مفعولا من أجله: أي إنما خلقناكم، لأجل العبث لا لحكمة اقتضت خلقنا إياكم، وأعربه بعضهم مفعولا مطلقا، وليس بظاهر. قال القرطبي عبثا: أي مهملين، والعبث في اللغة: اللعب، ويدل على تفسيره في الآية باللعب قوله تعالى: * (وما خلقنا السماوات والا رض وما بينهما لاعبين) * وقوله: * (الملك الحق) * قال بعضهم أي الذي يحق له الملك، لأن كل شيء منه وإليه. وقال بعضهم: الملك الحق: الثابت الذي لا يزول ملكه، كما قدمنا إيضاحه في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: * (وله الدين واصبا) * وإنما وصف عرشه بالكرم لعظمته وكبر شأنه والظاهر أن قوله: * (وأنكم إلينا لا ترجعون) * معطوف على قوله: * (أنما خلقناكم عبثا) * خلافا لمن قال: إنه معطوف على قوله: عبثا، لأن الأول أظهر منه والعلم عند الله تعالى.
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»