أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٥٣
الأولاد والشركاء لله. وقد قدمنا في سورة المائدة أن اللين والصفح المطلوب في آيات القرآن بعد نزول القتال إنما هو بالنسبة إلى المؤمنين، دون الكافرين في الكلام على قوله تعالى: * (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) * وبينا الآيات الدالة على ذلك كقوله في النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه * (أشدآء على الكفار رحمآء بينهم) * وقوله: * (واخفض جناحك للمؤمنين) * وقوله: * (ياأيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) * إلى آخر ما تقدم. وقوله في هذه الآية: * (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين) * الهمزات: جمع همزة وهي المرة من فعل الهمز، وهو في اللغة: النخس والدفع، وهمزات الشياطين: نخساتهم لبني آدم ليحثوهم، ويحضوهم على المعاصي، كما أوضحنا الكلام عليه في قوله تعالى: * (أنآ أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا) * وكقوله تعالى: * (ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل) *.
والظاهر في قوله: * (وأعوذ بك رب أن يحضرون) * أن المعنى: أعوذ بك أن يحضرني الشيطان في أمر من أموري كائنا ما كان، سواء كان ذلك وقت تلاوة القرآن، كما قال تعالى: * (فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * أو عند حضور الموت أو غير ذلك من جميع الشؤون في جميع الأوقات. والعلم عند الله تعالى.
* (حتى إذا جآء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلى أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قآئلها ومن ورآئهم برزخ إلى يوم يبعثون * فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسآءلون * فمن ثقلت موازينه فأولائك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولائك الذين خسروا أنفسهم فى جهنم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون * ألم تكن ءاياتى تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون * قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضآلين * ربنآ أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال اخسئوا فيها ولا تكلمون * إنه كان فريق من عبادى يقولون ربنآ ءامنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكرى وكنتم منهم تضحكون * إنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفآئزون * قال كم لبثتم فى الا رض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العآدين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون * أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إلاه إلا هو رب العرش الكريم * ومن يدع مع الله إلها ءاخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون * وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين) * قوله تعالى: * (حتى إذا جآء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلى أعمل صالحا فيما تركت كلا) *. الظاهر عندي: أن حتى في هذه الآية: هي التي يبتدأ بعدها الكلام، ويقال لها: حرف ابتداء، كما قاله ابن عطية، خلافا للزمخشري القائل: إنها غاية لقوله: * (نحن أعلم بما يصفون) * ولأبي حيان القائل: إن الظاهر له أن قبلها جملة محذوفة هي غاية له يدل عليها ما قبلها، وقدر الجملة المذكورة بقوله فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين ويحضرونهم، حتى إذا جاء أحدهم الموت قال: رب ارجعون. ونظير حذف هذه الجملة قول الشاعر وهو الفرزدق: نحن أعلم بما يصفون) * ولأبي حيان القائل: إن الظاهر له أن قبلها جملة محذوفة هي غاية له يدل عليها ما قبلها، وقدر الجملة المذكورة بقوله فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين ويحضرونهم، حتى إذا جاء أحدهم الموت قال: رب ارجعون. ونظير حذف هذه الجملة قول الشاعر وهو الفرزدق:
* فواعجبا حتى كليب تسبني * كأن أباها نهشل أو مجاشع * قال: المعنى: يسبني الناس حتى كليب، فدل ما بعد حتى على الجملة المحذوفة.
(٣٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 ... » »»