قال مقيده عفا الله عنه: والأظهر عندي في المن: أنه اسم جامع لما يمن الله به على عبده من غير كد ولا تعب، فيدخل فيه الترنجبين الذي من الله بل على بني إسرائيل في التيه. ويشمل غير ذلك مما يماثله. ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيحين: (الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين).
والأظهر عندي في السلوى: أنه طائر، سواء قلنا إنه السمانى، أو طائر يشبهه، لإطباق جمهور العلماء من السلف والخلف على ذلك. مع أن السلوى، يطلق لغة على العسل، كما بينا.
وقوله في آية (طه) هذه: * (كلوا من طيبات ما رزقناكم) * أي من المن والسلوى، والأمر فيه للإباحة والامتنان.
وقد ذكر ذلك أيضا في غير هذا الموضع، كقوله في (البقرة) * (وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولاكن كانوا أنفسهم يظلمون) *، وقوله في (الأعراف): * (وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولاكن كانوا أنفسهم يظلمون) *، وقوله: * (كلوا) * في هذه الآيات مقول قول محذوف، أي وقلنا لهم كلوا، والضمير المجرور في قوله: * (ولا تطغوا فيه) * راجع إلى الموصول الذي هو (ما) أي كلوا من طيبات الذي رزقناكم * (ولا تطغوا فيه) * أي فيما رزقناكم. ونهاهم عن الطغيان فيما رزقهم، وهو أن يتعدوا حدود الله فيه بأن يكفروا نعمته به، ويشغلهم اللهو والنعيم عن القيام بشكر نعمه، وأن ينفقوا رزقه الذي أنعم عليهم به في المعاصي، أو يستعينوا به على المعصية، أو يمنعوا الحقوق الواجبة عليهم فيه، ونحو ذلك.
وبين أن ذلك يسبب لهم أن يحل عليهم غضبه جل وعلا، لأن الفاء في قوله * (فيحل) * سببية، والفعل منصوب بأن مضمرة بعدها، لأنه بعد النهي وهو طلب محض، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله: فيحل) * سببية، والفعل منصوب بأن مضمرة بعدها، لأنه بعد النهي وهو طلب محض، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله:
* وبعد فا جواب نفي أو طلب * محضين أن وسترها حتم نصب * وقرأ هذا الحرف الكسائي * (فيحل) * بضم الحاء * (ومن يحلل) * بضم اللام. والباقون قرؤوا * (يحل) * بكسر الحاء و * (يحلل) * بكسر اللام. وعلى قراءة الكسائي * (فيحل) * بالضم أي ينزل بكم غضبي. وعلى قراءة الجمهور فهو من حل يحل بالكسر